# 📜 قوة النَّفس ## مقدمة من أفضل الصفات التي تجعل الإنسان فعالًا مفيدًا ويزيد من موثوقيته لمن حوله هي قوة النفس، وهي من أهم معايير اختيار رفقة الدرب. فقوة النفس تعني مباشرة أن الشخص يمتلك المقومات التالية: - عزة النفس - الكرم - النخوة والشهامة والحمية - [[📜 الثبات]] - [[الصبر]] فمن يملك قوة النفس لابد أنه حقق هذه الصفات الهامة والتي لا تقوم قوة النفس بدونها. وعكس هذه الصفات يحملها من يفقد قوة النفس. ## صور ومعاني القوة لنتعرف على القوة ونفهم آثارها يجب أن نتأمل في الصور والمعاني التي تُقاس بها القوة والسمات التي يكتسبها الإنسان عند امتلاكه نفسًا قوية والصفات التي تتأثر بزيادة أو نقصان قوة النفس، ومنها: ### 1. الانتصار على الذات من أهم المعاني في قوة النفس، وهو معنى مركزي وإذا نزع هذا المعنى من إنسان فلا يمكن القول عنه أنه قوي. ونرى هذا المعنى في حديث: "ليس الشديد في الصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". فمن يملك نفسه عند الغضب فلابد أنه يستطيع أن يملك نفسه في حال عدم الغضب. فإنّ دواعي النفس والهوى تتعارض مع دواعي القيم والمبادئ، وكلّ إنسان في يعيش معركة اختيار بين هذه الدواعي، فيمكن قياس قوة الإنسان بالنظر لنتيجة هذه المعركة؛ فمن ينتصر على هواه ونفسه في أغلب الأحيان فهو القوي حقّا، ومن تنتصر عليه نفسه وهواه ويرضخ لهما فلا يُمكن وصفه بالقوة - وهذا كما أنه من أهم طرق تحقيق القوة فهو أيضًا من أعظم طرق الوصول إلى الجنة، لقوله تعالى: "وأمّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى". ### 2. قوة الرأي والحزم الرأي تنتج عنه -> عزيمة -> ثم عمل -> ثم صبر وتحمّل لنتيجة العمل. وقوة الرأي تنتج من العلم والتجربة، ولا يكفي أحدهما دون الآخر لتكوين الرأي الصحيح. كما أنّ امتلاك قوة الرأي بدون [[العزيمة]] يحرم الإنسان من الدافع للقيام بالعمل. <div style="page-break-after: always;"></div> ## [[📜 الثبات]] ينتج عن اليقين، وينقسم إلى قسمين: - الثبات على ما يعلمه الإنسان من الحق (الالتزام والمواظبة)، وهو قسمين: - الثبات على الواجب من الشريعة. - الثبات والدوام على أداء النوافل. - الثبات في مواطن الصراع بين الحق والباطل. > [!note] ملاحظة > في عهد الصحابة، لم تكن للقوة الجسدية أثرًا مباشرًا على الثبات. وإنما قوة النفس والقلب والعزيمة والقدرة على التحمّل. ### 3. نصرة الحق وهي من صور تحقق القوة لدى الإنسان، فلا يَنصُر الحق ويتحمل تبعات نصرة الحق إلا القويّ. ### 4. الأمانة الضعيف قد يكون أمينًا في حالة الرخاء، لكنه عند الشدة يتخلى عنها. ونرى أن وجه قوة [[أبو عبيدة بن الجراح]] هو الأمانة، وإلا فإن [[خالد بن الوليد]] في القتال والمواجهة أقوى. لكن [[عمر بن الخطاب]] اختار [[أبو عبيدة]]. <div style="page-break-after: always;"></div> ## صور ومعاني الضعف كما في فهم القوة، فإننا نحتاج أن نتأمل ونفهم صور الضعف وأنواعه لنفهمه وليتألق لدينا معنى القوة، وأهم صوره: - التبرم والتشكي والتسخط وتضخيم التحديات. - العجز. - الاستسلام للنفس. - عدم إتمام العمل. - عدم إنكار المنكر. - قبول الذل والمهانة والظلم (لمن بيده الخروج من ذلك). - الجُبن: من أسوأ صور الضعف واستعاذ منه الرسول ﷺ‎ وقال ﷺ‎: "شرّ ما في رجل: شحّ هالع وجُبن خالع". - الجبن مذلة والذليل لا يتنصر على نفسه ولا على الشيطان ولا يثبت على الاستقامة. - ينحرف بعض الرموز ويتبنون أقوالًا باطلة بسبب الجُبن والضعف وعدم القدرة على تحمل نتائج الوقوف مع الحق. - الجُبن يُعتبر من أصول الرذائل كلها: فالجبان قد يخون، وقد يرتدّ عن الإسلام، وقد يتقلب ويتبع الأقوى ويُقنع نفسه أنه على حق. > [!tip] هام > الضعيف قد ينجو ولكنه يسقط عند الامتحان. قال [[ابن تيمية]]: "وعامّة الناس إذا أسلموا بعد كفر أو ولدوا مع الإسلام فإنه يكون معهم إيمان مجمل. وهؤلاء يكونون بخير وعافية إذا لم يُبتلَوا بمن يورد عليهم الشبهات، فإن ابتُلوا بمن يورد عليهم الشبهات؛ لم يكن لديهم من اليقين ما يدفعون به الشبهات، ولم يكن لديهم من الحب لله ورسوله ما يقدمونه على الأهل والمال." ### الضعف المحمود قال الرسول ﷺ‎: "ألا أخبركم بأهل الجنة: كل ضعيف متضعف...". فكيف يُمتدح الضعف هنا؟ كما قال الرسول ﷺ‎ في حديث آخر: "المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف" فكيف نوفق بين القولين؟ - الاشتراك في الألفاظ لا يعني بالضرورة الاشتراك بالمعاني. - فبالنظر لتتمة الحديث الأول: "... ألا أخبركم بأهل النار: كل عتلّ جوّاظ مستكبر". فالضعيف هنا هو المقابل لحالة العلوّ والاستكبار، أي: هو السّمِح الليّن القريب السهل. أو قد يكون وصفًا لبعض أهل الجنة: كالفقراء والمكسورين والمحتاجين. فبشكل عام القهوة في هذا الحديث هي القوة المذمومة والضعف هو الضعف المحمود. - أما في الحديث الثاني (المؤمن القوي خير وأحب...) تأتي القوة ويأتي الضعف بالمعنى المذكور في هذه المحاضرة. <div style="page-break-after: always;"></div> ## مستمدات القوة بعد فهمنا لأهمية وثمرات القوة، وقبح وأضرار الضعف، نتعرف الآن على الطرق التي يستمد منها المؤمن قوته. ### 1. المعرفة اليقينية بأسماء الله وصفاته و العمل القلبي المتمثل بالاعتصام والتوكل هذان أهم مصدرين للقوة للمؤمن، ولا يمكن تصور امتلاك قوة حقيقية وشمولية في كل نواحيها بدون هذين المعنيين. فبالمعرفة اليقينية بالله سبحانه وتعالى نعرف أن الله خالق كل شي ومدبر كل شيء وبيده كل شيء وإليه يرجع الأمر كله = وهذا يمدنا بالقوة. ونلاحظ أن التوكل يظهر بشكل أكبر في مقام الإقدام (ومقام الإقدام يُعنى به هنا التوكل في اتباع طرق الرسل في الإصلاح وهو من أعلى مقامات التوكل). أما الاعتصام فيظهر أكثر في مقام الالتجاء. مثال عن هذه المعاني من القرآن: بعدما أصاب المسلمين ما أصابهم في غزوة أحد، جاء من يقول لهم: القاضية تنتظركم، وأن المشركين قرروا الرجوع والقضاء على ما تبقى من المسلمين والإسلام. فصور الله لنا قوة المؤمنين بالتالي: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم..." ولكن النتيجة ليست أن المؤمنين خافوا منهم، بل بالعكس: "... فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل...". وقولهم حسبنا: يعني كافينا، والله: هو الله الذي نعرفه ونعرف أسماءه وصفاته. ### 2.فهم قدر الحياة الدنيا الإيمان بحُسن العاقبة وأن الموت ليس نهاية كل شيء وأنّ ما ينتظر المؤمن بعد الموت قد يكون خيرًا له مما كان عليه في الحياة الدنيا. كما سمى الرسول ﷺ‎ الحياة الدنيا سجناً. ومن يخاف الموت خوف الهلع والجزع ويفرّ منه فرارًا، فلا يمكن أن يكون قويًا. > [!info] فائدة > لكن يجب أن يكون أخوف ما يخاف المؤمن: الموت على باطل! فكراهية الموت شيء والخوف من الموت على باطل شيء آخر. ### 3. الإيمان بالقضاء والقدر وهو الصورة العملية المذكورة في حديث: "المؤمن القوي خير وأحب ... وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل". فالتسليم والرضى بالقضاء والقدر يعين الإنسان على تجاوز الكُرُبات والمِحن وعدم الجزع من حصولها. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 4. ذكر الله لقول الله ﷻ‎: "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله" ### 5. صحبة ومعرفة الأقوياء فالتعلم من الأقوياء والاقتداء بهم ومخالطتهم يزيد من قوة وهمة الإنسان. والعكس يحدث عند مصاحبة الخونة والضعاف والجبناء؛ فإنه يسحب صاحبه للضعف والهوان. فيجب مصاحبة من يمتلك بعض صفات القوة (ولا يشترط أن يملكها كلها) والبعد عن الضعفاء.