# المجرات سلالم اليقين ## جيمس جينز [[جيمس جينز]] من مشاهير علماء الفلك والفيزياء الإنجليز في القرن العشرين، وتنقل جينز بين جامعة [[كامبردج]] وجامعة [[برنستون]]. وكانت له إسهامات رئيسة في حقليّ الفيزياء والفلك، وانتقل نظرية [[لابلاس]] في تكوّن النظام الشمسي واقترح نظرية بديلة. كما سُمّيت باسمه عدد من المكتشفات العلمية كقانون رايلي-جينز الذي يصف الإشعاعات الطيفية في الموجات الكهرومغناطيسية، وغيرها من المكتشفات. وكما أن جيمس قد كتب عديدًا من الأطروحات المتخصصة، فإنه قدّم أطروحات في مجال الكوسمولوجيا (الكونيّات)، مُحاولًا تبسيط العلوم الطبيعية للقارء العام. وينتمي جيمس للتيار الذي يُعطي الفلسفة موقعًا "ذيليًا" بالنسبة للعلوم الطبيعية، باعتبار أن العلوم الطبيعية تكتشف وتبتكر وتخترع والفلسفة تُعلّق لاحقًا على ما تم اكتشافه. وبشكل عام فإن الكثير من علماء العلوم الطبيعية في عصرنا يبخسون من أهمية الفلسفة ويجعلونا تابعة للعلوم الطبيعية التجريبية. > [!info] فائدة > تُلاحظ قلة الفلاسفة في البلاد الغربية المتفوقة في العلوم والتقنية، بينما ينتشر للأسف بين شبابنا توجّه كامل لقراءة كُتب الفلاسفة القدماء (القرون 17،18،19) والتعرّض لأفكارهم. وقد يعود هذا لنقص المحتوى العلمي المطروح من قِبل المختصيّن في العلوم الطبيعية في بلادنا، ووفرة المحتوى الفلسفي المطروح من العرب أصحاب التكوين الفلسفي. ## عناية الله المشرقي عُرف عالم الرّياضيات الهندي [[عناية الله المشرقي]] بولعه الغريب بالرياضيات، وأنهى ماجستير الرياضيات وعمره 19 سنة وحطم الرقام القياسية السابقة له، ثمّ تابع دراسته في جامعة [[كامبردج]]، كما درس عدة تخصصات أخرى كالعلوم الطبيعية واللغات الشرقية، وعاد إلى الهند بعد 5 سنوات. وببداية الثلاثينيّات من عمره بدأ تفسير القرآن على ضوء مكتشفات العلوم الطبيعية، وأنهى المجلد الأول وعمره 36 سنة وسمّاه [[التذكرة]]، ورُشّح لجائزة نوبل لكن اللجنة اشترطت ترجمة العمل لإحدى اللغات الأوروبية، فرفض الجائزة وقال: (لا أريد جائزة لا تعترف بلغتي الأوردية!). كما انخرط في العمل السياسي، وتقلّد عدة مناصب، وأسس حزبًا سياسيًا، وأنشأ صحيفة أسبوعية، كما سُجن عدة مرات. > [!note] ملاحظة جانبيّة > كانت لدى عناية الله العديد من التصورات الخاطئة حول السُنّة النبوية، ومفهوم اختلاف النبوّات في التشريع، ونظرية التفسير الإسلامية، وغيرها. ## لقاء جيمس وعناية الله في نفس الفترة التي قدِم فيها [[عناية الله المشرقي]] إلى [[كامبردج]] للتعلّم التقى ب[[جيمس جينز]]، حيث كان يُدرّس في الجامعة. وروى قصة مدهشة وقعت له مع جيمس، ونُشرت هذه القصة على نطاق واسع، وأحد ناشريها كان [[وحيد الدين خان]] في كتابه [[الإسلام يتحدى: مدخل علمي إلى الإيمان]]، فقال في كتابه: > وسوف أختم هذا الباب بواقعه رواها العالم الهندي المغفور له، الدكتور [[عناية الله المشرقي]]، وهو يقول: > > كان ذلك يوم أحدٍ، من أيام سنة 1909 م، وكانت السماء تمطر بغزارة، وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما، فإذا بي أرى الفلكي المشهور: السير [[جيمس جينز]] -الأستاذ بجامعة كمبردج- ذاهبًا إلى الكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فدنوتُ منه، وسلّمت عليه، فلم يرد علي، فسلمت عليه مرة أخرى، فسألني: ماذا تريد منّي؟ > > فقلت له: أمرين، يا سيدي! الأول هو: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدّة المطر!. > > فابتسم السير جيمس وفتح شمسيته على الفور. > > فقلت له: وأمّا الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلاً ذائع الصيت في العلم مثلك؛ أن يتوجّه إلى الكنيسة؟ > > وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظةً، ثم قال: عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي. > > وعندما وصلت إلى داره في المساء؛ خرجت ليدي جيمس، في تمام الساعة الرابعة بالضبط، وأخبرتني أن السير جيمس يتنظرني، وعندما دخلت عليه في غرفته، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي، وكان البروفيسور منهمكًا في أفكارن، وعندما شعر بوجودي سألتي: ماذا كان سؤالك؟ > > ودون أن ينتظر ردّي بدأ يُلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية، ونظامها المُدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها، ومداراتها، وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة، حتى إنني شعرت بقلبي يهتز بيهيبة الله وجلاله. > > وأمّا السير جيمس فوجدت شعر رأسه قائمًا، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خشية الله، وتوقف فجأة ثم بدأ يقول: يا عناية الله! عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله، يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: "إنك لعظيم!" أجد أن كُل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأُحسّ بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله خان، لماذا أذهب إلى الكنيسة؟ > > ويضيف العلامة عناية الله قائلاً: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانًا في عقلي، وقلت له: يا سيدي، لقد تأثرت جدًا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، وتذكرت بهذه المُناسبة آية من آي كتابي المُقدّس، فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم. > > فهز رأسه قائلاً: بكُلّ سرور. > > فقرأت عليه الآية التالية: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَمِنَ الۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ [[فاطر-27|۝]] وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ ...[[فاطر-28|۝]]</span>﴾ > > فصرخ السير جيمس قائلاً: ماذا قلت؟ ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّمَا يَخۡشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ</span>﴾؟ مدهش! وغريب وعجيب جدًا!!، إن الأمر الذي كشفتُ عنه بعد دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، من أنبأ محمدًا به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك؛ فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله. > > ويستطرد السير جيمس جينز قائلاً: لقد كان محمدٌ أميًّا، ولا يُمكنه أن يكشف عن هذا السّرّ بنفسه، ولكن "الله" هو الذي أخبره بهذا السر.. مدهش! وغريب وعجيب جدًا. ### لمحات من هذا الحوار - مشهد الانفعال العميق الذي وقع من جيمس وهو يذكر المعلومات الفلكية ويستعرضها، هذا المشهد يثير كوامِن الإيمان في النّفوس البشرية. - دفع التأمل بهذا الكون العجيب البروفيسور إلى البحث عن الدّين والخالق! فتمسّك بالنّصرانية لأنّها كانت الأقرب له، فكيف لو تعرف على القرآن وما فيه من نواحي الإعجاز! - من العجيب وصف البروفيسور جيمس لشعوره الغامِر بالسّعادة والسّكينة وهو ينادي الله بالعظيم، فكيف لو عرف هدي محمد ﷺ‎ بمناجاة الله، وكيف لو ذاق سكينة القرآن؟! - تكشّفت للبروفيسور كُلّ هذه المعاني في تعظيم الله من تأمّل مَلكوت السماوات والأرض، حتى شهد للقرآن أنه حقّ، وأنّ نبوّة محمّد ﷺ‎ حقّ!. - برغم كُلّ الانبهار بعجائب الكون، إلا أن البروفيسور أدهشته آية ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّمَا يَخۡشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ</span>﴾، وهذا من عجيب ما يصنعه القرآن بالنّفُوس. ## آخرون تأمّلوا بالأفلاك - قال [[إيمانويل كانط]] وهو رمز الفلسفة الألمانية: (شيئان اثنان يملآن العقل بإعجاب ومهابة متجددين ومتزايدين كلّما كررنا النظر فيهما: الأفلاك المُرصّعة بالنجوم فوقنا، والقانون الأخلاقي في داخلنا). - [[أبو حفص البزار]] قال عن برنامج [[ابن تيمية]] بعد صلاة الفجر: (ثمّ يشرع في الذكر، وكان قد عُرِفت عادته لا يُكلّمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذكر يُسمِع نفسه، ورُبّما يُسمِع ذِكره من إلى جانبه، مع كونه في خلال ذلك يُكثِر من تقليب بصره نحو السّماء، هكذا دأبه حتى ترتفع الشّمس ويزول وقت النهي عن الصلاة). - في [[صحيح مسلم]]: (فرفع -النبي ﷺ‎- رأسه إلى السّماء، وكان كثيرًا مما يرفع رأسه إلى السّماء). وفي [[سنن أبي داود]]: (إذا جلس يتحدّث يُكثِر أن يرفع طرْفه إلى السّماء). - قال تعالى في ابراهيم الخليل: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَكَذَٰلِكَ **نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ** وَ**لِيَكُونَ مِنَ الۡمُوقِنِينَ** [[الأنعام-75|۝]]</span>﴾. فاليقين هُنا نتيجة لرؤية ملكوت السماوات والأرض.