# مقدمة
للعلم والإيمان مركزيّة في القرآن الكريم، وهما صفتان ذُكرتا مقترنتين ببعضهما، توصِل إحداهما للأُخرى. ودلّل الكاتب بعديدٍ من الآيات التي تدلّ على هاتين الصِّفتين وتربط بينهما. وذَكَر قول [[ابن تيمية]]: (فإن الخير كله، أصله وفصله، منحصر في العلم والإيمان).
أبواب الكتاب:
## القسم الأول (العِلم)
1. [[جسر التعب]]
2. [[مأزق المترقب]]
3. [[إلباس العجز جبة الحكمة]]
4. [[فن القراءة الجردية]]
5. [[التصنيف التحصيلي]]
## القسم الثاني (الإيمان)
6. [[لقاء العظيمين]]
7. [[صفاء الأنبجانية]]
8. [[جناح الذل]]
9. [[المجرات سلالم اليقين]]
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[جسر التعب]]
عندما نخطط لمستقبلنا (الدنيوي أو الأُخروي) فإننا نرسم أحلاماً كبيرة بعيدة، ولكننا لا نبذل لها ما تستحقه من المُكابدة والصبر. ولكن الشرع أكد لنا أن معالي الأمور كالرسوخ بالعلم وإظهار الهدى ودين الحق والتمكين في الأرض وإصلاح الأمة لا تحصل للمرء وهو مستكمل راحته وطعامه وشرابه ونومه وأوقات استرخائه. ولا ننسى كذلك أهمية الجديّة في تناول معالي الأمور، فمُحاولة تحقيق النجاحات في بيئة يغلب عليها ضجيج اللهو وخفة المرح وقهقهات الفكاهة.
**فَتَرْك فضول النوم والطعام والشراب والترفيه والخلطة والحديث والكلام والنظر؛ هو أول خطوة لفتح باب الانطلاق في درب المعالي.**
ونرى حولنا الكثيرين مِمّن اجتمعت لديهم شُعبٌ من الخير والإنجاز والإنتاج، ولكنهم لا يملكون [[العزيمة]] ليُنفّذوا ما خططوا له.
## جهد الأئمّة
### الإمام مسلم
أثناء تصنيف الإمام [[مسلم]] صحيحه، وعند ذكره لأحاديث الصلاة وبعد ترتيب بعضها ترتيبًا حسنًا، أراد إيصال رسالة للقارئ: أن هذه النتيجة الحديثية التي توصل إليها لم تأت إلا بالعناء المضني، فأخرج بعدها أثراً عن الإمام [[يحيى بن أبي كثير]] يقول فيه: "لا يُستطاع العلم براحة الجسم".
فبرغم أن كتابه الصحيح لا يخرج فيه إلا أحاديث مرفوعة عن النبي ﷺ، إلا أنه وضع هنا قولاً لأحد صغار التابعين ليُبيّن لنا أن إنجازاً كهذا لا يتحقق إلا بالجهد المُضني. وهذا التعب لا يختص بمطلب دون مطلب، بل هو في الكمالات الإنسانية كلها، يقول ابن القيم: "الكمالات كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على "جسر من التعب". ولتحصيل أفضل ثمرة يجب توجيه تعبنا باتجاه المُستقبل الأبدي.
<div style="page-break-after: always;"></div>
### ابراهيم الحربي
نقل [[ابن تيمية]] عن [[ابراهيم الحربي]] قوله: "**أجمع عُقلاء كلّ أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم**". يُمكن استذكار هذه المقولة كلّما شعر المرء بالتعب أو الملل أو رغبة الالتفات لغير معالي الأمور. وهذا المعنى نفسه صحيح في أمور الدّنيا والآخرة.
كما نقل عنه [[الخطيب البغدادي]] مقولة عجيبة في أنه لا يتحمل المشاق فقط بل لا يأبه بِها، فقال: "أجمع عُقلاء كلّ أمة أنه من لم يجرِ مع القدر لم يتهنّأ بعيشه، كان يكون قميصي أنظف قميص وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبي مقطوع، وفرد عقبي الآخرصحيح، أمشي بهما وأدور بغداد كُلّها، هذا الجانب وهذا الجانب، لأ أحدّث نفسي أن أصلحها، وما شكوت إلى أمي، ولا إلى أختي، ولا إلا امرأتي، ولا إلى بناتي قطّ: حمى وجدتها، **الرجل هو الذي يدخل غمّه على نفسه، ولا يَغُمّ عياله**، كان بي شقيقة خمسًا وأربعين سنة ما أخبرت بها أحداً قط، وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعًا عطشان إلى الليلة الثانية"
## ما ورد عن التّعب في الوحي
واستحضار الثمرة واستذكار العاقبة هو من أهم ما يُعين النّفس على التحمل. والعلاقة بين التعب والنجاح نراها مذكورة في مواضع عديدة في القرآن والسُّنة:
- قال ﷺ: "حُفّت الجنة بالمكاره".
- وقال: "الدنيا سجن المؤمن"، لشدّة ما فيها من الكلفة والجُهد.
- وقال تعالى في وصف أهل الجنة: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ [[الذاريات-16|]] كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ الَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ [[الذاريات-17|]]</span>﴾.
- وقال عن الرسول ﷺ وسادات الصحابة: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ الَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَۚ [[المزمل-20|]]</span>﴾.
- وأمر نبيه بقوله: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قُمِ الَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا [[المزمل-2|]]</span>﴾
- وقال عن أهل النّار: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُتۡرَفِينَ [[الواقعة-45|]]</span>﴾
- وقال تعالى في قصة نوح ﷺ: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا [[نوح-5|]]</span>﴾
## أقوال الشُّعراء في التّعب
ومن أقوال الشّعراء تعبيرًا عن فهمهم للعلاقة بين التعب والنجاح:
- قال أبو تمام [[حبيب بن أوس الطّائي]]:"بَصُرت بالراحة الكُبرى فلم ترها *** تُنال إلا على جسر من التّعب"
- وقال أيضا: "ولم تُعطِني الأيام نومًا مُسكّنًا *** ألذُّ به؛ إلا بنوم مشرّد"
- وقال [[المتنبي]]: "لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يُفقر، والإقدام قتّال"
- وقال: "إذا كانت النفوس كبارًا *** تعبت في مُرادِها الأجسام"
<div style="page-break-after: always;"></div>
## مستويات المشقّة
ومن يلتبس عليه فهم أنّ هذا النَّصب والتعب يخالف تيسير الإسلام وأن المشقة تجلب التيسير فهذا بسبب الخلط بين مستويين للمشقة:
1. **المشقة المُعتادة التبعية:** التي تكون تابعة للعبادة ولازمة لها ولا يمكن التخلص منها - فهذه يُحمد تحملها ومجاهدة النفس عليها ويؤجر على ذلك.قال ﷺ: "أجرُك على قدر نصبك". وقال: "والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق؛ له أجران"
2. **المشقة المقصودة بالأصالة:** هي مشقة ليست من العبادة، يتكلفها المرء تكلّفًا وليست في مصلحة العمل - فهذه مذمومة. وورد في السنّة أنّ النبي ﷺ: (رأى شيخًا يُهادى بين ابنيه، فقال: "ما بال هذا؟" قالوا: نذر أن يمشي، قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني"، وأمره أن يركب).
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[مأزق المترقِّب]]
إنّ الوقوف متفرّجاً ومنتظرًا لتقدّم المشاريع دون عقد العزيمة والمُبادرة، يُبقي الإنسان أسير التّرقُّب دون مُراوحة مكانه، وسنين عُمره تضيع هباءً أمامه وما قدّم فعلياً أيّ شيء بمُتابعته للمستجدات وترقُّبه للأخبار.
ومع تقدّم الزمن تتقدّم الوسائل التي يُتابِع فيها المترقّب المُستجدّات، لكنه هو لا يتقدّم ولا يتغير. ومن تعلّق قلبُه بالمُتابعة بهذا الشّكل لا تُفارق ذهنه هذه المُتابعات لا في صلاته ولا في سائر حياته.
ولا يشمل ذمّ المُترقّب ذم نواياه وطموحاته، فهو قد يحمل أخلص النّوايا وأرقى الأهداف، لكنّه فقط لا يُقدِم على المُساهمة بها ولا يُقدِّم لها شيئاً، غير المُتابعة.
وكما أن اشتعال حماسة المُترقِّب سريعة عند سماعه عن فضائل شيء جديد، فإن برودة همته تأتي بنفس السرعة التي اشتعلت فيها حماسته فيفتر ويرجع إلى رُكن المُراقبة الذي اعتاد عليه.
## ترحيل المهام
وللمُترقّب مشكلة "ترحيل المهام"، ففي كل مرحلة من حياته يَعزُو تأجيل المُبادرة لأداء أهدافه لانتظاره المرحلة القادمة؛ التي سيكون فيها أكثر حريّة ومرونة لينطلق في تحقيق طُموحاته. وهكذا تتأجَّل مهامُه العظيمة في كل سنة للسنة القادمة، وفي كلّ مرحلة من حياته للمرحلة التالية. ويبقى هو مكانه لا يحرّك ساكناً، حتى يجد نفسه في عُمرٍ صعُب فيه الإنتاج والتحصيل، فيقف نادمًا على ما فات.
يظنّ البعض أنّ المُشكلة الحقيقية هي في لمعان وتألّق وجاذبية المُلهيات و[[وسائل التّواصل الاجتماعي]]؛ مما يسحب الإنسان للاستغراق بِها عن أداء مهامه، ولكن الواقع أنّ هذه الوسائل والمُلهيات هي وسيلة "هروب نفسيّ" عن المهام الواجِبة. فنفس المُلهيات عندما تكون واجبة على الإنسان؛ فإنه يتهرّب مِنها لأداء غيرها!
ويكون الترقُّب وأشدّ خطرًا سوءًا عندما يكون ممن هم في جيل الشّباب وفي مرحلة الإنتاج والنّشاط، فتضيع أثمن أوقاتِهم وأعمارهِم في ما لا يُفيد. ثُمّ إذا أدركوا ما وقعوا فيه تكون القوى قد خارت والهمّة قد ضعُفت.
<div style="page-break-after: always;"></div>
## شرف الزّمن
وإن تأملّنا الليل والنّهار، وتقلّب الأيام، وأنّ الله أقسم بالزّمن بقوله ﷻ: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَالۡعَصۡرِ [[العصر-1|]]</span>﴾؛ فإننا نُدرك شرف الزّمن. ففي كُلّ ثانيةٍ نحن نُنفِق من رصيدنا الزمنيّ المكتوب. وما يُنفق لا يَعود ولا يُعوّض؛ فإما أن نقضيه بِما ينفع من علمٍ وعمل يأتينا ثوابه في الآخرة، أو أن يضيع في الترقب والتفرج وإنها لصفقة خاسرة. قال ﷺ: (نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس: الصحّة والفراغ).
ووصف الفاروق [[عمر بن الخطاب]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span> حالةَ من حالتُه تُشبه التّرقب بما يُسمى بـ(الحالة السّبَهلليّة)، فقال: (**إني أكره الرّجل يمشي سبههلا، لا في أمر الدُّنيا، ولا في أمر الآخرة**). وفي نفس المعنى قال [[ابن مسعود]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span>: (إني لأمقُت الرّجل أن أراه فارغًا، ليس في شي من عمل الدُّنيا ولا عمل الآخرة). ومن أكبر عوامل هذه الحالة أن يقطع المُترقّب أعماله دون إتمامها فيما يُسمى (التّقطُّع والتّرحُّل)، وقال في هذا [[بدر الدين بن جماعة]]: (**وكذلك يحذر التنقّل من كتاب إلى كتاب من غير موجب، فإنه علامة الضّجر وعدم الإفلاح**).
## آثار التّرقب والمراقبة
ووصلنا لزمن بلغت فيه الأزمة أن تُنقل الأخبار وجدالاتها من مواقع التواصل إلى جلسات التّحاور. ونرى قدر الضّياع عِندما نُقارن محتوى هذه النِّقاشات بِما كان يدور في المجالس من حوارات علميّة مهمة ومفيدة.
ويُلحظ يتأثّر المُترقب وذوقه وألفاظُه ورُقيُّه بما يحتكّ به في مواقع التّواصل من مُشاحنات وتلفظّات ومواضيع غير ذات أهمية، والتأثر ليس فقط في محتوى المادة المُتابعة بل إن أسلوبها وطريقة تقديمها تؤثّر كما يؤثّر محتواها، قال [[ابن تيمية]]: "ومن شأن الجسد إذا كان جائعًا فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكُله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشُّم، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القُرآن ...".
ويجب التّنبُه لأن العادات السيئة تبدأ بمرة أولى، فعلينا الحذر من الانزلاق لمُستنقعات الردود الفجّة والكلمات النابية عند كثرة التّعرض للمُناقشين غير الراقين، ولا يجب أن نُبرر لأنفسنا السقوط في مثل هذه الأساليب بأنّ الآخرين لا يفهمون إلا هذا الأسلوب.
وكما أن عضلات الجِسم تضمر وتضعف إن توقف الإنسان عن التمارين البدنية، فإن القدرات الذهنية تضعف إن لم يتم تمرين الذهن. قال [[ابن تيمية]]: "لفظ الرّياضة يُستعمل في ثلاثة أنواع: (رياضة الأبدان) بالحركة والمشي، و(رياضة النفوس) بالأخلاق الحسنة، و(رياضة الأذهان) بمعرفة دقيق العلم والبحث عن الأمور الغامضة". فمن يبتعد عن الكتب والبحوث الدقيقة وحل الألغاز العلمية العميقة، وملأ وقته بقراءة كلام سطحي؛ ستبدأ قدراته الذهنية بالضمور، ويبدأ بالنفور من المسائل الصعبة المُتعبة لذهنه.
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[إلباس العجز جبّة الحكمة]]
من أعظم الأبواب التي حيرت عقول العُلماء والدُّعاة هو باب **العلاقة بين شُعب الإيمان**. فتنافس أهل الإسلام في تعديد هذه الأبواب، كُلّ بحسب قُدراته وعِلمه. وبلغ كتاب [[البيهقي]] في شعب الإيمان بضعة عشر مجلدًا. وللتفاوت بين كثرة شُعب الإيمان، ومحدودية القدرات البشرية، قد يفقد المرء مقياسه الذي يقيس فيه أهدافه. فكثيرٌ من تدفعه حماسته ليضع أهدافًا لا يستطيع بمُعطيات واقعه تحقيقها. فيتخبط بين العلوم ويتيه بين الآمال الضائعة. ومن أسوأ ما قد يستجيب له الفرد لهذه العثرات هي استجابة يُمكن تسميتها: (إلباس العجز جُبّة الحكمة). ولهذه الاستجابة أشكال متعددة في نواحٍ مختلفة من الحياة، منها:
## في حفظ العلم
يتناسى من صَعِب عليه حفظ العلم في صدره -سواء أكان ما أراد حفظه القُرآن الكريم أو أيّ من أبوب العلم- فضائل حفظ العِلم الواردة في القرآن والسُنّة، ويبدأ بتخذيل من حوله عن حفظ العلم وابتكار الحُجج الواهية للحث على تجنّب الحفظ والتّزهيد به (كتوجيه الجُهد نحو الفهم، وكأنّ الحفظ يُنافي الفهم!).
من أسباب حصول سوء الفهم في مسألة حفظ العلم أنّ الكثيرين **يظنّون أن حفظ العلم يتمثّل بحفظ المُتون فقط**، ولكن حفظ العلم أوسع من ذلك يشمل كل عناصر العلم، ومما يدخل فيه: حفظ ألفاظ القُرآن والحديث، وأسماء الأعلام ووفياتهم، ومعاني اللغة والتعريفات، وأشهر الأقوال في المسألة، والتسلسل التاريخي للمذاهب والبدع، ومواطن المسائل ومظانها، وحفظ الموضوعات التي تعرض لها كل كتاب مهم في بابه.
كما أن من أسباب حصول سوء الفهم **اعتقاد البعض أنّ الحفظ إنّما يكون بتكرار اللفظ**، وهذا وإن كان أداةً من أدوات الحفظ، إلّا أنه ليس الطّريقة الوحيدة. فكلّ شكل من أشكال [[معاناة العلم]] هو وسيلة للحفظ؛ كالنّظر فيه وتقليبه وتأمّله وتدبّره شرحاً وتلخيصاً وتحقيقاً... إلخ. ومُعاناة العِلم تُثمر الخبرة فيه.
<div style="page-break-after: always;"></div>
## في سعة الاطلاع
ومن شُعب العلم (التبحّر) وسعة الاطّلاع والتعمق في المطوّلات وثراء المقروءات. وهذا يفتح باب التشعّب في العلم والتنقل من كتاب لكتاب. ولكثرة اقتناء الكُتب فوائد منها أنها تُفيد الكاتب بتوفير مصادر للنقول عند الكتابة. كما أنّها تفتح لطالب العلم باب المقارنة بين المصادر: وهي أفضل طريقة للتحقيق في المسائل.
> [!info] فائدة
> من أعظم ثمرات المقارنة بين المصادر هي أن يتمكّن المرء من فرز الحقائق العلمية عن آراء الكاتب: فعند القراءة قد نظنّ أن بعض ما في الكتاب هو معلومة بينما هو مجرد رأي أو استنتاج للكاتب، وهذا اللَّبس يُكشف بقراءة مصدر آخر.
وهُنا يجدر التّفريق بين اقتناء الكتب للاستفادة من تعدد المصادر وبين هَوَس اقتناء الكُتب. فالكثير من المبتدئين في طلب العلم يُخطئ بشراء الكثير من الكتب دون قراءتها، مما يدفعه لاحقاً للتهرب من مواجهة عجزه وخطئه، بل و**يُلقي عباءة الحكمة على عجزه**: فيذمّ ويحذّر من اقتناء الكُتب ومطاردة المصادر.
فالواجب الموازنة بين اقتناء ما يحتاجه الإنسان من الكُتب وبين المُكاثرة في اقتناء الكُتب دون الاستفادة منها. فعلينا الاستفادة من الانفجار المعرفي في عصرنا بكثرة الاطلاع بدلاً من التزهيد فيه.
> [!tip] هام
> كما أن هناك من يختلق وجود التضاد بين حِفظ العلم وفَهمه، فإن هُناك من يفتعل التّصادم بين حِفظ العلم وسعة الاطّلاع. وكِلتا المفارقتين خاطئتان.
## في فقه مسائل التراث وفقه النّوازل
يقع بعض من يعجزون في التفقّه في المسائل الفقهية المستجدّة بنفس الخطأ؛ فعند عجزهم يبدؤون بتثبيط من حولهم وتزهيدهم في هذه الأبواب. وكذلك الأمر فيمن أعيته صعوبة لغة كتب فقه المسائل التّراثية وطول شرحها، فبدلاً من اعترافِهم بعجزهم يبدؤون بالتّهكم بمن يجتهد في فهمها وإعادة إنتاجها. والحقيقة أن كِلا البابين مِن شُعب العلم العظيمة في الفقه.
<div style="page-break-after: always;"></div>
## في الثقافة المُعاصرة
إنّ العلم الشرعي غذاء، والثقافة المُعاصرة وعاء. والثقافة المعاصرة من أهم وسائل الدعوة اليوم. والعالِم قليل الثقافة قد يقلّ تأثيره في أرض الواقع. فالصحيح أن نجمع بين العلم والثقافة، فلا نفرّط في أي باب منهما. فلا يُتصوّر أن تقوم دعوة دون علم بكلام الله ورسوله ومعانيهما، وكذلك لا تقوم دعوة دون فَهم لطريقة تشكّل العُقول في العصر الحاليّ وما يشغل تفكيرها.
وكان حال السّلف كـ[[ابن تيمية]] أنهم بعد تعلمهم العُلوم الشّرعية، يطّلعون على الثقافة المُعاصرة وينقدونها.
فالجمع بين العلم الشرعيّ والثقافة المُعاصرة عُملة نادرة، ومطلب صعب يحتاج لمَلَكات خاصّة كسُرعة الإدراك. ويخطئ في هذا الباب \_كما في الأبواب السابقة\_ من يَضعُف عن الجمع بين العلم والثّقافة؛ فيبدأ بتزهيد الآخرين في الجمع بينهما. والصحيح أن تشجيع من تمكّن من الجمع والدّعوة للجمع الصحيح بينهما: العلم أولاً ثم الثقافة بحسب الطّاقة والإمكان.
## في الصدع بالحق
من يصدع بالحقّ يتحمل ما يترتب على هذا من ابتلاء، ويرتبط النهي عن المُنكر بالصبر في قوله تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَأۡمُرۡ بِالۡمَعۡرُوفِ وَانۡهَ عَنِ الۡمُنكَرِ وَاصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ ...[[لقمان-17|]]</span>﴾. فعندما يصدعُ ناهٍ عن المُنكر بأمر الله، يرى البعض أنّهم يعجزون عن تحمّل تبعات ذلك كما تحملها هو، فيُلبسون عجزهم جبّة الحِكمة وبُعد النّظر، ويُنظّرون على الصّادعين بمخاطر التّهور والتعجّل وقلة الوعي والعاطفة.
## في نصرة المُجاهدين
من أعظم شُعب الإيمان نُصرة المُجاهدين في سبيل الله، المُلتزمين بالضوابط الشرعية، والمبتعدين عن الغلو.
ومن يعجز عن هذه النّصرة عليه أنْ يفهم عجزه وقلّة حيلته، وأن يعمل بما يستطيعه ولو بمجرّد الدّعاء لهم ومحبتّهم، وألّا يُلبس عجزه عمامة الحكمة بالطعن في من حمل همّ رفع كلمة لا إله إلا الله.
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[فنّ القراءة الجردية]]
الكتب البديعة كثيرة، والعمر قصير، والصوارف تتزايد؛ لذلك يجب أن نتعلّم فن **قراءة الجرد**: وهي المطالعة السريعة للكتاب بطريقة استكشافية مُنظّمة، بحيث يلتقط القارئ:
- هيكل الكتاب،
- واسئلته الرئيسة،
- ومظانّ مسائله،
- والتصورات العامة فيه.
وبعد جرد الكتاب يمكن للقارئ الإجابة على السؤالين التاليين:
- ما مدى حاجتي للكتاب؟
- أين يقع موضع الحاجة منه؟
فهكذا يتجنّب القارئ تضييع وقته فيما لا يُفيده أو لا يُجيب عن ما يبحث عنه. أو قد يتضح للقارئ أنه بحاجة لقراءة بعض فصول الكِتاب فقط لتحصيل ما يبحث عنه. فلا ينبغي أن يخوض القارئ بحار الكُتب قبل تصفح الخريطة.
## أمثلة من السّلف
وطريقة القراءة الجردية استُخدِمت من السّلف بشكل كبير (بالإضافة لأنماط قِراءة أخرى). والتالي أمثلة لبعض العلماء:
- قرأ [[الخطيب البغدادي]] [[صحيح البخاري]] كاملًا على [[اسماعيل الحيري]] في ثلاثة مجالس.
- قرأ [[القاضي عياض]] [[رسالة ابن أبي زيد]] (طبعت في مجلّد وهي رسالة مركزية في الفقه) على شيخه في مجلس واحد.
- قرأ [[ابن تيمية]] كتاب [[الغيلانيات]] (طُبع في مجلّد ~350 صفحة ويتضمن 1104 حديث) في مجلس واحد. كما كان سريع الكتابة يكتب الكراسين والثلاثة في قعدة. فكتب [[الحموية]] (مجلد وتُدرّس في أيامنا في زهاء سنة) في قعدة واحدة، وكتب في بعض الأحيان في اليوم ما يبيض منه مجلد.
- [[الحافظ العراقي]] قرأ [[صحيح مسلم]] في ستة مجالس متوالية.
- [[الفيروزآبادي]] قرأ [[صحيح مسلم]] في ثلاثة أيام، وبصوت مسموع واضح.
- [[ابن حجر]] قرأ [[سنن ابن ماجه]] في أربعة مجالس، [[وصحيح مسلم]] في أربعة مجالس، وقرأ كتاب [[النَّسائي الكبير]] في عشرة مجالس، وقرأ [[معجم الطبراني الصغير]] في مجلس واحد بين الظهر والعصر (مجلد فيه نحو 1500 حديث)، وقرأ [[صحيح البخاري]] في عشرة مجالس.
- قرأ [[القسطلاني]] شرحه على [[صحيح البخاري]] في خمسة مجالس.
- [[برهان الدين البقاعي]] قرأ [[صحيح البخاري]] في ستة أيام، و[[صحيح مسلم]] في خمسة.
- [[أبو بكر باعلوي]] كان يقرأ المجلد الضخم في يوم أو ليلة، وقرأ [[إحياء علوم الدين]] (خمس مجلدات) في عشرة أيام.
- [[جمال الدين القاسمي]] أسمع صحيح مسلم في 40 يوم، وأسمع [[سنن ابن ماجه]] في 21 يوم، و[[الموطأ]] في 19 يوم، و[[تقريب التهذيب]] مع تصحيحه وضبطه وتحشيته في 10أيام، وكل مجالس القراءة هذه كانت متتالية.
- [[عبد الحي الكتاني]] قرأ صحيح البخاري تدريساً بالتحقيق والتدقيق مع شرح وذكر الشواهد واللطائف في 50 مجلس.
## أهمية القراءة الجردية
وكتب الداعية الأمريكي [[حمزة يوسف]] في كتابه (How to read a book) عن أهمية القراءة الجردية، فقال: (معظم الأشخاص، بل وحتى عدد كبير من القراء الجيدين؛ لا يعرفون أهمية القراءة التّصفّحية، إنهم يبدؤون الكتاب من الصفحة الأولى، ويتقدمون بجدّ وثبات حتى آخر الكِتاب، وبدون قراءة الفهرس. إنهم في هذه الحالة يُواجهون هدف إنجاز المعرفة السطحية للكتاب، بنفس الوقت الذي يحاولون به فَهمه، وهذا يُضاعف صعوبة الكِتاب).
ويخشى الكثيرون عدم الفهم عند القراءة السريعة. ولكن القراءة السريعة تُحقق فهمًا مُعيّنًا قد لا يتأتّى بالقِراءة البطيئة (وكذلك للقراءة البطيئة مواضع لا يُمكن فيها القراءة السريعة). فالقراءة السريعة أفضل لِجمع تصوّرٍ كُلّي عن الكتاب وأفكاره.
ولا تفيد المُبالغة بالسّرعة ولا المُبالغة بالبُطئ. قال العالِم المعروف باسكال: (حين نقرأ بسرعة شديدة، أو ببطء شديد؛ فإننا لا نفهم شيئًا).
> [!note] خلاصة
> لا يجب ترك القراءة الجردية، خاصّة في الكُتب المطولة الكبيرة. وهذه الطريقة القِراءة مارسها علماءُ المسلمين عبر مختلف الأزمنة، وأيّدتها الأبحاث والعُلماء الغربيون المعاصرون.
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[التّصنيف التّحصيلي]]
ألّف الإمام [[النووي]] في الحديث والفقه واللغة والأعلام مؤلفات صارت مراجع للمتخصصين، برغم طلبه للعلم متأخرًا وموته مبكرًا، وكانت مُدّة طلبه للعلم 6 سنوات ومُدّة عطائه العلمي 20 سنة فقط.
> [!note] ملاحظة جانبيّة
> يُكنّى العالِم أحيانًا بما اشتدّ اختصاصه بِه: فسُمّي [[ابن العطار]] بمُختصر النووي لشدّة اهتمامه واختصاصه بشيخه النووي، وسُمّي شيخ [[محيي الدين البرعمي]] بالكافيجي لكثرة اشتغاله بكتاب الكافية.
## التصنيف للتحصيل
قال [[الإسنوي]] تفسيرًا لعطاء [[النووي]] العظيم في هذه الفترة البسيطة أنه: (**جعل تصنيفه تحصيلًا، وتحصيله تصنيفًا**). أيّ أنّه كان يجعل تأليفه وسيلة لطلب العلم، ويجعل طلبه وتحصيله للعِلم في صيغة مؤلفات مباشرة.
ويبدو أنّ [[النووي]] قد فعل ذلك متعمّدًا وليس صدفةً، فقد قال في [[شرح المهذب]]: (وينبغي أن يعتني بالتّصنيف إذا تأهل له، فبِه يطّلع على حقائق العلم ودقائقه، ويَثبُت معه).
وطريقة التّصنيف بهدف التعلّم لم يخترعها ويُنفّذها [[النووي]] وحده، نقل [[الخطيب البغدادي]] عن شيوخه: (**من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ وليأخذ قلم التّخريج**).
فالتصنيف يضطر المرء لكثرة التفتيش والمُراجعة مما يزيد الطالِب عِلمًا. وتكّلم عن هذه الطريقة العديد مِن العُلماء واستخدمها العديد مِنهم كوسيلة للتعلم قبل أن تكون وسيلة لنقل العِلم للآخرين.
<div style="page-break-after: always;"></div>
## التدريس كطريقة أخرى
التصنيف طريقة من الطّرق وليس الطّريقة الوحيدة، فكلّ أساليب الإنتاج والعطاء العلمي تُفيد في التّحصيل، مثل تدريس العلم:
فبعد أن يقطع الطّالِب شوطًا في العلم يُساعده تدريسُه للآخرين على تثبيت معلوماته، وفتح الآفاق للبحث والتبحّر، وإثارة الأسئلة وتسليط الأضواء على مواضع لم يكن لينتبه إليها لولا أسئلة طلّابه. فيستفيد المعُلّم من التعليم كما يُفيد طلّابه.
## البحث العلمي
الواقع فيه تحديات كبيرة وحاجة كبيرة للبحث العلمي في مُختلف المجالات، ولدينا الكثير من المتميزين في مُختلف العلوم، لكن يُلاحظ بنفس الوقت فتورٌ في التجاوب السريع للتحديات ونشر الأبحاث العلمية وإشعال الوسط العلمي بالإنتاج والتداول.
ويبرر هذا الفتور بتأخير المُبادرة حتى إتمام طلب العلم، وهذه الحُجّة ناتجة عن تصوّر خاطئ وهو أن التّصنيف هو وسيلة للعطاء فقط، والحقيقة أنه وسيلة تلقٍّ وعطاء.
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[لقاء العظيمين]]
لو اجتمعت أعظم شخصيتين في العالم الإسلامي في زماننا هذا، فقد نتوقّع أن المواضيع التي ستدور بينهما ستدور حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والإصلاحية. لكن عندما التقى أعظم رجلين في تاريخ البشرية (محمد وابراهيم عليهما صلاة الله وسلامُه) دار بينهما حوار مُختلف؛ وذلك لِفَهمِهما للقضايا المصيريّة العظمى.
قال رسول الله ﷺ: (لقيت ابراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأنّ غراسها: سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).
## فوائد من الحديث
- علينا استشعار أنّ أبانا إبراهيم ﷺ، خليل الله، مهتمّ بنا ويُقرئنا سلامه.
- سيدنا إبراهيم ﷺ متوفَّى، فهو في مقام يعلم فيه ما يَنتظِرنا بعد انقضاء حياتِنا؛ فوصيّته ستكون بأعظم ما يُمكن أن يُفيدنا: فوصّانا بما يبني لنا مواقَعًا في الجنّة ويريدنا أن نستثمر الفرصة بِما أننا ما زلنا في هذه الدُّنيا.
- (من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله): فالتناصح في معلومة كهذه يفتح للنّاصح باب خير كبير لتحصيل الأجر من استجابة الآخرين لوصيّة ابراهيم عليه السلام.
- هذا الحديث سنده متصل إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام!
- **اجتماع أعظم رجلين في التاريخ كانت قضيته (ذِكر الله ﷻ)!**
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[صفاء الأنبجانية]]
استذكر الكاتب كيف عوّدته بيئتُه على صلاة الجماعة وعلى أنّها أساس لا يتأتّى بالانفراد ب[[الصلاة]] حتى قبل أن يعلم حُكم وجوبِها. ويمتدح هذا التعويد مِن الصّغر لما يسّره عليه من الاستمرار بِها. وذَكر ملاحظته لصلاة الجاليات الآسيوية معهم في المسجد، وأنهم كانوا فيها أكثر سُكونًا.
واستذكر بدايات عهده وعهد جيله بطلب العلم، وأنّها كانت قفزة في المجتمع لم تكن في سابِقيهم، بل وأثارت دهشتهم. وحَضَر الكاتِب دروس عِلم الحديث لشيخ يشرح سنن الترمذي، ما دفعه ليقتني الكِتاب. ومما لاحظه أيضاً صلاة هذا العالِم هو سكون وتأني هذا الشيخ بصلاته، وإطالته للركوع.
وبدأت هُنا تساؤلات الكاتب تزداد عن المُفارقة بين ما يراه في المُجتمع من كثرة الحركة في الصلاة، والانتقالات بِلا سكينة، وبين ما يراه من جاليات أخرى ومِن العُلماء من الوقار والسكينة في الصلاة.
## سلسة المُصلّين
### ابن تيمية
مع تقدّم المجتمع في مستويات العلم، صعد نجم شيخ الإسلام [[ابن تيمية]] وتلميذه [[ابن القيم]] بصورة غير مسبوقة؛ حتّى أقوالهما واختياراتُهما على لسان طلّاب العِلم. فتتبع الكاتِب في تِلك الفترة تراجِم [[ابن تيمية|شيخ الإسلام]]، وكانت من أعذبها ترجمة تلميذه [[أبو حفص البزار]]. وفي هذه الترجمة صوّر [[أبو حفص البزار|البزار]] صلاة شيخه فقال: (وكان إذا أحرم بالصلاة يكاد يخلع القلوب لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام، فإذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه حتى يميد يمنة ويسرة). ففتح هذا الوصف صفحة التساؤلات التي كانت تراود الكاتِب عن صفة الصلاة بين أفراد مُجتمعه. كذلك وجد مقولة ل[[الذهبي|لذهبي]] عن [[ابن تيمية]] عِند صلاته، فقال: (ويصلي بالناس صلاة لا يكون أطول من ركوعها وسجودها).
### ابن القيّم
وأما [[ابن القيم]]، فقد تحدث [[ابن كثير]] عنه بقوله: (وكنت من أصحب الناس له، وأحب الناس إليه، ولا أعرف من أهل العلم في زماننا أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدًا، ويمدّ ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان فلا يرجع، ولا ينزع عن ذلك، رحمه الله). وقارن الكاتب هذا الكلام بما وصفه [[ابن القيم]] في وصف شعور المصلّي في الصلاة في قوله: (فإنه إذا انتصب قائمًا بين يدي الرّب شاهد بقلبه قيوميته، وإذا قال "الله أكبر" شاهد كبرياءه، وإذا قال "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" شاهد بقلبه ربًا منزهًا عن كل عيب، محمودًا بكل حمد، وإذا قال "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فقد آوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه، فإذا قال "الۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ" وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله "حمدني عبدي"، فإذا قال...) وبعد وصفه لكل هيئة من هيئات الصلاة، ختم ذلك بقوله: (فالصلاة وضعت على هذا النحو، وهذا الترتيب، لا يمكن أن يحصل ما ذكرناه من مقاصدها التي هي جزء يسير من قدرها وحقيقتها، إلا مع الإكمال والاتمام والتمهل الذي كان رسول الله ﷺ يفعله).
### ابن جريج
ومع استمرار البحث اتضحت بقية الصورة، فالمشهد ليس لأفراد من الأمّة تتّصف صلاتهم بهذه الصورة؛ وإنّما كلّ واحد من هؤلاء الأعلام هو حلقة في سلسلة متصلة بحلقات قبلها وبعدها. قال [[أحمد بن حنبل|الإمام أحمد]] في مسنده: (حدثنا [[عبد الرزاق]] قال: أهل مكة يقولون: "أخذ [[ابن جريج]] الصلاة من [[عطاء ابن أبي رباح|عطاء]]، وأخذها [[عطاء ابن أبي رباح|عطاء]] من [[ابن الزبير]]، وأخذها [[ابن الزبير]] من [[أبي بكر]]، وأخذها [[أبو بكر]] من النبي ﷺ". قال [[عبد الرزاق]]: ما رأيت أحدًا أحسن صلاة من [[ابن جريج]]). وهكذا نرى إسنادًا ينقلونه سُلُوكًا بسلسلة متصلة إلى الرسول ﷺ!
وكذلك كان خبر [[عبد الرزاق]] عن [[ابن جريج]]، فقال فيه: (ما رأيت أحسن صلاة من ابن جريج، كان يصلي ونحن خارجون، فيُرى كأنه اسطوانة، وما يلتفت يمينًا ولا شمالًا).
### عطاء بن أبي رباح
وأما [[عطاء ابن أبي رباح]] فقال عنه [[ابن جريج]]: (كان عطاء بعد ما كَبِر وضَعُف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من سورة البقرة وهو قائم، لا يزول منه شيء ولا يتحرك).
### ابن الزبير
قال التابعيّ [[ثابت البُناني]] عن [[ابن الزبير]]: (كُنت أمرّ بابن الزبير، وهو يصلي خلف المقام، كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك). وكثرت أقوال العُلماء في صلاته، ومن أعجبها ما ورد عن صلاته حين حاصر [[الحجاج بن يوسف]] مكة، ورمى ابن الزبير وكتيبته بالمنجنيق، فكان ابن الزبير يصلّي في هذا الوقت، وقال عن صلاته التابعي [[محمد بن المنكدر]]: (لو رأيت ابن الزبير وهو يصلي لقلت غصن شجرة يصفقها الريح، وإن المنجنيق ليقع ههنا وههنا ما يُبالي).
### أبو بكر
فعَن صلاة أبي بكر ورد في [[صحيح البخاري]]: (وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته). وقال [[مجاهد]]: (كان [[ابن الزبير ]]<span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span> إذا قام في الصلاة كأنه عود، وحدث أن ابا بكر كان كذلك، قال: وكان يقال: ذاك الخشوع في الصلاة).
<div style="page-break-after: always;"></div>
## الأنبجانية
فإذا كانت هكذا صلاة المتلقّين، فكيف كانت صلاة مُعلّمهم؟ ونأخذ مشهد (الأنبجانية) لنتأمل في صلاة الرسول ﷺ. فبعد إسلام [[أبو جهم بن حذيفة]] يوم فتح مكة، أهدى النبيَّ ﷺ خميصة -كساء من لبس الأشراف في أرض العرب وفيها أعلام (خطوط) بلون مغاير للون الكِساء-، فلبِسه النبيُّ ﷺ وصلّى به، لكن أعلامه لفتت نظر النبي ﷺ في صلاته. فَجَاء النبي ﷺ أهله بعد الصّلاة، وطلب منهم أن يُعيدوا الخميصة إلى أبي جهم، وأن يطلبوا منه كِساء آخر تطييبًا لقلبه لكي لا يحزن من رد هديته، والكساء الآخر هو الأنبجانية -كِساء ليس فيه أعلام وأقلّ ثمنًا وقيمةً عند العرب-.
وفي قصّة مشابهة طلب النبي ﷺ من عائشة نزع القِرام الذي وضعته في البيت، والقِرام هو ستارة من النسيج فيها نقوش.
في هذا المشهد نرى اهتمام النبيّ ﷺ بصفاء بالِه في الصّلاة، فمُجرد نظرة إلى أعلامِ الكِساء جعلته يُعيد الكِساء لصاحبه، ونقوش السِّتارة أخرجته عَن خشوعه. فكان كُلّ ما في حياتِهم يتحكّم فيها مطلب الخشوع!
فأين صلاتُنا من صلاة قُدواتِنا؟ فلا الجسد يقف ساكنًا خاشعاً، ولا الفِكر يدُور حول الصّلاة واستشعار العُبودية للخالِق. **فكيف لو رآنا هؤلاء نُصلي؟**
## الخشوع
قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قَدۡ أَفۡلَحَ الۡمُؤۡمِنُونَ [[المؤمنون-1|]] الَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ [[المؤمنون-2|]]</span>﴾. فسّر [[ابن تيمية]] معنى الخشوع بِطريقة تفسير النَصّ بالنَصّ (أي تفسير معنى الخشوع عن طريق الرجوع للنّصوص الشرعية بدلًا من البحث في النصوص العربية). وطبّق [[ابن تيمية]] عنصرين لاستكشاف معاني هذه الكلمة:
- عنصر **الوجوه والنظائر**: أي تتبع موارد اللفظ في النصّ نفسه.
- عنصر **التعريف بالمقابلة**: كما فعل في المثال التالي:
جاء لقوله تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">الَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ [[المؤمنون-2|]]</span>﴾، وقارنه بآية: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى الۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ [[فصلت-39|]]</span>﴾، فقال: (فالخشوع يتضمن السكينة والتواضع جميعا...، وقال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى الۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا الۡمَآءَ اهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ...[[فصلت-39|]]</span>﴾، فأخبر أنها بعد الخشوع تهتز والاهتزاز حركة، وأنها تربو والربو ارتفاع، فيُفهم أنّ الخشوع فيه: سكون وانخفاض)
فالمعنيان المطلوبان مِنّا في صلاتنا هما: **السّكون** فلا نتحرك ونعبث، و**خفض الرؤوس** تذللاً لمن نقف بين يديه.
<div style="page-break-after: always;"></div>
وفي هذين المعنيين جاء النص في الصحيحين:
- قال ﷺ: (اسكنوا في الصلاة)
- وعن أنس بن مالك <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span> أن النبي ﷺ قال: ("ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!" فاشتدّ قوله في ذلك، حتى قال: "لينتَهُنّ عن ذلك أو لتُختطفنّ أبصارُهم").
ولا يقتصر الخُشوع على وضعية القيام، فالخشوع يشمل أيضاً حركات التنقل بين أركان الصّلاة، ولحظات رفع اليدين للتكبير وخفضهما.
## صلاة المُنافِق
قال ﷺ: (تلك صلاة المُنافِق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشّيطان، قام فنقرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلى قليلًا).
وذكَر [[ابن تيمية]] صفات صلاة المُنافق الواردة في الحديث بقوله: (فبيّن النبي ﷺ في هذا الحديث أن صلاة المُنافِق تشتمل على: التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه، وعلى النقر الذي لا يذكر الله فيه إلّا قليلًا)
## نماذج من أوامر النّبي ﷺ الدافِعة للخُشوع في الصلاة
- نهى النبيّ ﷺ عن زخرفة المساجد لأنها تشغل المُصلّين، فقال عندما أمر [[عمر بن الخطاب]] ببناء المسجد: (وإيّاك أن تُحمّر أو تُصفّر فتفتن النّاس). وتحت هذا الباب تندرج أيضاً أحداث إرجاع الخميصة وقِرام عائشة.
- أوصى الرسول ﷺ مَن حضر طعامه أن يأكُل أولاً ثمّ يُصلّي بعد فراغه من طعامه؛ ليقوم للصلاة منصبًّا تفكيره عليها. قال ﷺ: (إذا قُرِّب العَشاء، وحضرت الصّلاة، فابدؤوا به قبل أن تُصلّوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم). وكذلك في بقيّة المُشغِلات، فقد وجّهنا النبي ﷺ للتخلّص مِنها قبل المُضيّ للصلاة، فقال: (لا صلاة بحضرة الطّعام، ولا وهو يُدافِعه الأخبثان).
- نبّه الرسول ﷺ على السكينة في القُدوم للصلاة ليبدأ الخُشوع مع أولى الخطوات إلى المسجد. قال ﷺ: (إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصّلاة وعليكم بالسّكينة والوقار). وهذا تنبيه أيضًا لمنع تشتيت سكينة المُصلّين الآخرين.
- وكذلك لِمن حضر المسجد قبل الإقامة فعليه عند الإقامة القيام بهدوء وسكينة، لِقوله ﷺ: (إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني، وعليكم بالسّكينة).
- وقبل التّكبير للصلاة وجّه النبي ﷺ المصلّين أن يضعوا سترة تحجز نظرهم عن المُحيط، فصلّى النبي ﷺ إلى الجدار والراحلة ومؤخرة الرّحل والحربة والعنزة، وكان أصحابه شديدي الحرص على السترة. وغلّظ النبي ﷺ في المرور بين المُصلّي وسُترته؛ **لأن المار يبلبل وحل الدُّنيا بعد أن صفا ماء المُناجاة**. قال ﷺ: (لو يعلم المار بين يدي المُصلّي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرًا له، من أن يمُرّ بين يديه). وقال ﷺ: (إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فيدفع في نحره فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان)!
- ثم بعد الشُّروع في الصّلاة شرع النّبي تقييد اليديم ببعضهما على الصدر لمنع حركتهما وتنقلّهما. قال [[النووي]]: (قال العلماء: والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى أنه أقرب إلى الخُشوع ومنعِهما من العبث).
- وكذلك نهى عن ضم الثياب والشعر في الصلاة، لتخفيف الانشغال فيهما. ونهى عن تسوية محل السّجود إلا بأقلّ حركة. فقال في الرّجل يُسوّي التراب حيث يسجد: (إن كُنت لا بد فاعلًا فواحدة).
- وقال ﷺ: (إذا اشتدّ الحر فأبردوا بالصلاة)، فلاستحضار الخُشوع شَرَع تغيير وقت الفضيلة في الصّلاة حتى يبرد الجوّ! كما أنه شَرع تغيير أصل السّجود على الأرض مُباشرة عندما يكون الحر شديدًا، فعن [[أنس بن مالك]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span>، قال: (كُنّا نُصلّي مع رسول الله ﷺ في شِدّة الحر، فإذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكّن جبهته مِن الأرض، بسط ثوبه، فسجد عليه)، وهذا لمراعاة الخشوع في الصلاة.
- ووجّه النبي ﷺ الناعِس بالنّوم ثم الصلاة، فقال: (إذا نعِس أحدكم في الصلاة فلينم، حتى يعلم ما يقرأ).
- ولِمنعِ كُلّ ما يُشوش الخشوع، ندب لمُباعدة الصفوف بين مواضع صلاة النِّساء والرِّجال: (خير صفوف الرّجال أوّلُها وشرُّها آخرهُا، وخير صفوف النِّساء آخرُها وشرُّها أولُها)، ونَهى النِّساء عن التطيُّب للمساجِد، فقال: (إذا شَهِدت إحداكُنّ المسجِد فلا تمسَّ طيبًا).
فالقضية تُعدّ قضيّة مركزيّة لكثرة النّصوص الشرعية فيها. فهناك منظومة أحكام تأخذ بيد المؤمن ليقف بين يديه ربه خاشعًا. وتضييع المرء للخشوع هو تضييع لمنظومة الأحكام هذه، وليس مجرد تقصير في جانب روحانيّ.
> [!info] فائدة
> التواتر المعنوي (تكرار المعنى بنصوص كثيرة) يُعدّ أعلى منزلة من التواتر اللفظي بمواضع قليلة؛ فالتواتر اللفظي قوته في إظهار ثبوت الأمر فقط، أما التواتر المعنوي فقوته في الثّبوت والدلالة معًا (تعدد التأكيد).
### عَدُوّ الخشوع
وكمّا وجّهنا النبي ﷺ لِما يدفع للخشوع في النصوص السابقة، فإنّه نبّهنا من عدونا الأكبر الذي يعمل جاهدًا على منعنا من الخشوع، ففور انقضاء التثويب (الإقامة) يبدأ الشيطان عمله:
قال ﷺ: (حتّى إذى قُضي التثويب، أقبل الشّيطان حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقوه له: اذكر كذا، اذكر كذا. لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظلّ الرجل ما يدري كم صلّى). فكيف نعرف موضع الفخّ ونقع فيه؟!
<div style="page-break-after: always;"></div>
### أذكار الصلاة
عند سُهُوّ المرء في صلاته، يتلفظ بأذكار الصلاة دون أن يُصيبه شيء من معانيها ولا أجرها. ومن أهم ما يجب تأمّله واستذكاره من فضائل أذكار الصّلاة:
- إجابة الله ﷻ لعبده إذا قرأ الفاتحة، فيقول تعالى: (حمدني عبدي.. أثنى عليَّ عبدي.. مجدني عبدي..)
- فضل موافقة التأمين لتأمين الملائكة: (إذا أمّن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غُفر له ما تقدّم من ذنبه)
- فضل التحميد بعد الركوع: (كنا يومًا نصلّي وراء النبي ﷺ فما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لِمن حمده"، قال رجل وراءه: ربّنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه، فلمّا انصرف النبي قال: "من المتكلّم؟!"، قار الرجل: أنا، قال النبي "رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول")
- شمولية السلام على عباد الله بقول "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" في التشهد: (فإنّكم إذا قُلتموها أصابت كُلّ عبد لله صالح في السّماء والأرض)
### الخشوع والإحسان
عرّف النبي ﷺ الإحسان بـ"أن تعبد الله كأنّك تراه". فكُلّما ترقّى العبد في الإحسان، أومضت في قلبه نوافذ الخشوع. قال [[النووي]]: (لو قدَّرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يُعاين ربه سبحانه وتعالى؛ لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السّمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به...)
### الوقوف أمام ملك الملوك
وتجدر هُنا مُقارنة الوقوف أمام مُلوك الأرض والوقوف أمام ملك الملوك سبحانه. قال [[أبو حامد الغزالي]]: (وكُلّ من يطمئنّ بين يدي غير الله ﷻ خاشعًا، وتضطرب أطرافه بين يدي الله عابثًا؛ فذلك لقُصُور معرفته عن جلال الله). وقال [[ابن القيم]]: (ومَثَل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه؛ مثل رجل قد استدعاه السّلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السّلطان يمينًا وشمالاً ... فهذا المُصلّي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله في صلاته، الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته، وذلت عنقه له، واستحيا من ربه أن يُقبل على غيره أو يتلفِت عنه). والأعظم في هذا قول الرسول ﷺ: (ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيَتنخَّع أمامه، أيُحب أحدكم أن يُستقبَل فيُتنخَّع في وجهه؟!)
فعلينا مُراقبة أفعالِنا وحركاتِنا في الصلاة، وما يُستحى فِعله أمام عُظماء البشر؛ فالله أحقّ أن نستحيي منه!
قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ الۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ [[الحديد-16|]]</span>﴾
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[جناحُ الذّل]]
من الاستعارات القُرآنية التي جذبت اهتمام الكاتب، ودفعته للتفكير فيها زمنًا، هي قول الله تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَاخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ...[[الإسراء-24|]]</span>﴾. فالجناح جزء حسّيّ في الطّيور تطير بواسطته في السّماء، كما في قوله تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى الطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ...[[الملك-19|]]</span>﴾. كما ذكر الله مشهد جناح الطير في القرآن في مواضع أُخرى مما يدلّنا على عظمته. ولكنّ هذا المشهد حرّك في ذهن الكاتب التساؤل التالي: لماذا أضاف الله هذا الجناح الحسّيّ المعروف، إلى الذل الذي هو سُلوك أخلاقيّ وجزء منه معنوي؟ ما مغزى هذه الاستعارة؟ وماذا يُريد الله سبحانه بهذا التركيب اللُغوي؟ وما الدّلالة المُتطلَّب إيحاؤها من لفظ الجناح بما يَخدِم مفهوم الذّل؟
## معنى جناح الذّل
### تأملات المفسّرين والبلاغيّين
تأمّل البلاغيون في هذه الاستعارة في ووصلوا لنتائج مُدهشة ومُتفاوتة للعلاقة بين الجناح والذّل. ومما وجده الكاتب أربعة أقوال لثلاثة من العلماء الخُبراء في علوم اللغة العربية:
#### 1. القفّال الشاشيّ
طرح [[القفّال الشاشيّ]] رحمه الله وجهين للعلاقة بين الجناح والذّل:
1. عندما يريد الطائر التحليق والصعود ينشر جناحه، وعندما يريد الهبوط والنزول يخفضه؛ فيناسب تصوّر التذلل للوالدين بأنه كخفض جناح الطائر.
2. أنّ الطائر يحنو على فراخه فيلفّهُم بجناحه وينزله عليهم تعطّفًا وشفقة؛ فيناسب تصوير التذلل للوالدين والرحمة بِهما كأنه خفض جناح الطائر على فراخه.
#### 2. ضياء الدّين ابن الأثير
طرح [[ضياء الدين ابن الأثير]] وجهًا ثالثًا للعلاقة في كتابه [[المثل السائر]]، قال: (فإن الجناح للذل مُناسب، وذاك أنّ الطّائر إذا وهن أو تعب بَسَط جناحه وخفضه، وألقى نفسه على الأرض).
#### 3. الشهاب الخفاجي
أشار [[الشهاب الخفاجي]] إلى وجه رابع: أن الطائر إذا رأى جارحًا شلّه الذعر فيلصق جسمه جناحه بالأرض، وهذا غاية خوفه وتذلله.
<div style="page-break-after: always;"></div>
### قراءة أُخرى ومعنى جديد
ذكر أصحاب علم القراءات أن كلمة الذل أنزلها الله بقراءتين في هذا الموضع:
- بضمّ الذال (الذُّل) وهي القراءة المشهورة.
- بكسر الذال (الذِّل).
يقول أبو الفتح [[ابن جني|أبو الفتح ابن جني]]: (ومن ذلك قراءة [[ابن عباس]] و[[عروة بن الزبير]] في جماعة غيرهما "جناح الذِّل"، قال أبو الفتح: "الذِّل" في الدابة ضد الصعوبة، و"الذُّل" للإنسان وهو ضد العزّ، وكأنهم اختاروا للفصل بينهما الضمة للإنسان والكسرة للدابة).
ففي هذه القراءة معنى التذلل للوالدين كما تكون الدابة ذليلة مُنقادة مستكينة مطاوعة لراعيها..
## التطبيق العملي للسّلف لخفض جناح الذّل
### في الأبواب الفقهية
قد تنبّه العلماء إلى خصوصية وأهمية التعامل مع الوالدين حتى في دراستهم للأبواب الفقهية، فمِمّا قالوا في باب فقه الحسبة وأحكام النهي عن المنكر:
- قال [[أحمد بن حنبل|الإمام أحمد]] في هذا الباب: (ليس الأب كالأجنبي)
- قسم [[الغزالي]] الحسبة لخمس مراتب، وجعل اثنتين منها تليق من الابن للوالد، والبقية لا تليق.
- للإمام [[الإمام مالك|مالك بن أنس]] تعليق في هذه المسألة، قال [[القرافي]]: (المسألة الأولى: أن الوالدين يؤمران بالمعروف ويُنهيان عن المُنكر، قال [[الإمام مالك|مالك]]: ويخفض لهما في ذلك جناح الذل من الرحمة).
<div style="page-break-after: always;"></div>
### سلوكيات البِرّ
- **التطبيق العملي لخفض جناح الذل:** ما جاء في ترجمة [[عمرو بن ميمون]]: (قال الحلبي: حدثني [[عمرو بن ميمون]] بن مهران، قال: خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة، فمررت بجدول، فلم يستطع الشيخ يتخطاه، فاضطجعت له، فمرّ على ظهري).
- **خفض الصوت:** الحافظ [[عبد الله بن عون]] وقف على دقائق تجليّات آية خفض جناح الذل، فلاحظ أنّ مما يدخل في خفض جناح الذل و[[بر الوالدين]] مراعاة مستوى الصوت. فقد جاء في ترجمته: (عن عبد الله بن عون: أنه نادته أمه فأجابها، فعلا صوتُه صوتَها؛ فأعتق رقبتين)!
وجاء هذا المعنى عن التابعي الجليل [[محمد بن سيرين]]، فكان: (إذا كلم أمه كلّمها كالمصغي إليها بالشيء). و(إذا كان عند أمّه، ورآه رجل لا يعرفه، ظنّ أن به مرضًا من خفضه كلامه عندها).
- **خضوع العينين:** رُوي عن [[عطاء ابن أبي رباح|عطاء]] و[[عروة بن الزبير|عروة]] بتفسيرهما لهذه الآية: (ولا تحدّ بصرك إليهما، إجلالاً وتعظيمًا)، وقال [[المناوي]]: (العقوق كما يكون بالقول والفعل؛ يكون بمجرد اللّحظ المُشعِر بالغضب).
- **تفضيل البِرّ على العِبادة:** كان التابعي [[محمد بن المنكدر]] من العلماء والرّواة المشهورين وكان أخوه [[عمر بن المنكدر]] من العباد المتنسكين، وروى الإمام [[ابن سعد]]: (قال [[محمد بن المنكدر]]: بات عمر يصلي، وبت أغْمِزُ رجليّ أمي، وما أُحِب أن ليلتي بليلته). أي أنه كان يدلّك رجلي أمه ويخفف إعياءها، وصرّح أنه يعتقد أن بِرّها أجلّ في ميزان الله من التهجد.
- **تقديم أمر الوالدين على المصلحة الدنيوية:** قال [[الحسن بن عبد الوهاب الوراق]]: (كنت قد اعتزمت إلى الخروج إلى "سر من رأى" في أيّام [[المتوكل]]، فبلغه -أي أباه- ذلك، فقال لي: يا حسن، ما هذا الذي بلغني عنك؟ فقلت: يا أبت، ما أريد بذلك إلا التجارة، فقاللي: إنك إن خرجت لم أكلمك أبدًا، قال: فلم أخرج وأطلعتُه، فجلست، فرزقني الله بعد ذلك، فأكثَر وله الحمد).
<div style="page-break-after: always;"></div>
# [[المجرات سلالم اليقين]]
## جيمس جينز
[[جيمس جينز]] من مشاهير علماء الفلك والفيزياء الإنجليز في القرن العشرين، وتنقل جينز بين جامعة [[كامبردج]] وجامعة [[برنستون]]. وكانت له إسهامات رئيسة في حقليّ الفيزياء والفلك، وانتقل نظرية [[لابلاس]] في تكوّن النظام الشمسي واقترح نظرية بديلة. كما سُمّيت باسمه عدد من المكتشفات العلمية كقانون رايلي-جينز الذي يصف الإشعاعات الطيفية في الموجات الكهرومغناطيسية، وغيرها من المكتشفات.
وكما أن جيمس قد كتب عديدًا من الأطروحات المتخصصة، فإنه قدّم أطروحات في مجال الكوسمولوجيا (الكونيّات)، مُحاولًا تبسيط العلوم الطبيعية للقارء العام.
وينتمي جيمس للتيار الذي يُعطي الفلسفة موقعًا "ذيليًا" بالنسبة للعلوم الطبيعية، باعتبار أن العلوم الطبيعية تكتشف وتبتكر وتخترع والفلسفة تُعلّق لاحقًا على ما تم اكتشافه. وبشكل عام فإن الكثير من علماء العلوم الطبيعية في عصرنا يبخسون من أهمية الفلسفة ويجعلونا تابعة للعلوم الطبيعية التجريبية.
> [!info] فائدة
> تُلاحظ قلة الفلاسفة في البلاد الغربية المتفوقة في العلوم والتقنية، بينما ينتشر للأسف بين شبابنا توجّه كامل لقراءة كُتب الفلاسفة القدماء (القرون 17،18،19) والتعرّض لأفكارهم. وقد يعود هذا لنقص المحتوى العلمي المطروح من قِبل المختصيّن في العلوم الطبيعية في بلادنا، ووفرة المحتوى الفلسفي المطروح من العرب أصحاب التكوين الفلسفي.
## عناية الله المشرقي
عُرف عالم الرّياضيات الهندي [[عناية الله المشرقي]] بولعه الغريب بالرياضيات، وأنهى ماجستير الرياضيات وعمره 19 سنة وحطم الرقام القياسية السابقة له، ثمّ تابع دراسته في جامعة [[كامبردج]]، كما درس عدة تخصصات أخرى كالعلوم الطبيعية واللغات الشرقية، وعاد إلى الهند بعد 5 سنوات.
وببداية الثلاثينيّات من عمره بدأ تفسير القرآن على ضوء مكتشفات العلوم الطبيعية، وأنهى المجلد الأول وعمره 36 سنة وسمّاه [[التذكرة]]، ورُشّح لجائزة نوبل لكن اللجنة اشترطت ترجمة العمل لإحدى اللغات الأوروبية، فرفض الجائزة وقال: (لا أريد جائزة لا تعترف بلغتي الأوردية!).
كما انخرط في العمل السياسي، وتقلّد عدة مناصب، وأسس حزبًا سياسيًا، وأنشأ صحيفة أسبوعية، كما سُجن عدة مرات.
> [!note] ملاحظة جانبيّة
> كانت لدى عناية الله العديد من التصورات الخاطئة حول السُنّة النبوية، ومفهوم اختلاف النبوّات في التشريع، ونظرية التفسير الإسلامية، وغيرها.
## لقاء جيمس وعناية الله
في نفس الفترة التي قدِم فيها [[عناية الله المشرقي]] إلى [[كامبردج]] للتعلّم التقى ب[[جيمس جينز]]، حيث كان يُدرّس في الجامعة. وروى قصة مدهشة وقعت له مع جيمس، ونُشرت هذه القصة على نطاق واسع، وأحد ناشريها كان [[وحيد الدين خان]] في كتابه [[الإسلام يتحدى: مدخل علمي إلى الإيمان]]، فقال في كتابه:
> وسوف أختم هذا الباب بواقعه رواها العالم الهندي المغفور له، الدكتور [[عناية الله المشرقي]]، وهو يقول:
>
> كان ذلك يوم أحدٍ، من أيام سنة 1909 م، وكانت السماء تمطر بغزارة، وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما، فإذا بي أرى الفلكي المشهور: السير [[جيمس جينز]] -الأستاذ بجامعة كمبردج- ذاهبًا إلى الكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فدنوتُ منه، وسلّمت عليه، فلم يرد علي، فسلمت عليه مرة أخرى، فسألني: ماذا تريد منّي؟
>
> فقلت له: أمرين، يا سيدي! الأول هو: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدّة المطر!.
>
> فابتسم السير جيمس وفتح شمسيته على الفور.
>
> فقلت له: وأمّا الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلاً ذائع الصيت في العلم مثلك؛ أن يتوجّه إلى الكنيسة؟
>
> وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظةً، ثم قال: عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي.
>
> وعندما وصلت إلى داره في المساء؛ خرجت ليدي جيمس، في تمام الساعة الرابعة بالضبط، وأخبرتني أن السير جيمس يتنظرني، وعندما دخلت عليه في غرفته، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي، وكان البروفيسور منهمكًا في أفكارن، وعندما شعر بوجودي سألتي: ماذا كان سؤالك؟
>
> ودون أن ينتظر ردّي بدأ يُلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية، ونظامها المُدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها، ومداراتها، وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة، حتى إنني شعرت بقلبي يهتز بيهيبة الله وجلاله.
>
> وأمّا السير جيمس فوجدت شعر رأسه قائمًا، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خشية الله، وتوقف فجأة ثم بدأ يقول: يا عناية الله! عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله، يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: "إنك لعظيم!" أجد أن كُل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأُحسّ بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله خان، لماذا أذهب إلى الكنيسة؟
>
> ويضيف العلامة عناية الله قائلاً: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانًا في عقلي، وقلت له: يا سيدي، لقد تأثرت جدًا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، وتذكرت بهذه المُناسبة آية من آي كتابي المُقدّس، فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم.
>
> فهز رأسه قائلاً: بكُلّ سرور.
>
> فقرأت عليه الآية التالية: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَمِنَ الۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ [[فاطر-27|]] وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ ...[[فاطر-28|]]</span>﴾
>
> فصرخ السير جيمس قائلاً: ماذا قلت؟ ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّمَا يَخۡشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ</span>﴾؟ مدهش! وغريب وعجيب جدًا!!، إن الأمر الذي كشفتُ عنه بعد دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، من أنبأ محمدًا به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك؛ فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله.
>
> ويستطرد السير جيمس جينز قائلاً: لقد كان محمدٌ أميًّا، ولا يُمكنه أن يكشف عن هذا السّرّ بنفسه، ولكن "الله" هو الذي أخبره بهذا السر.. مدهش! وغريب وعجيب جدًا.
### لمحات من هذا الحوار
- مشهد الانفعال العميق الذي وقع من جيمس وهو يذكر المعلومات الفلكية ويستعرضها، هذا المشهد يثير كوامِن الإيمان في النّفوس البشرية.
- دفع التأمل بهذا الكون العجيب البروفيسور إلى البحث عن الدّين والخالق! فتمسّك بالنّصرانية لأنّها كانت الأقرب له، فكيف لو تعرف على القرآن وما فيه من نواحي الإعجاز!
- من العجيب وصف البروفيسور جيمس لشعوره الغامِر بالسّعادة والسّكينة وهو ينادي الله بالعظيم، فكيف لو عرف هدي محمد ﷺ بمناجاة الله، وكيف لو ذاق سكينة القرآن؟!
- تكشّفت للبروفيسور كُلّ هذه المعاني في تعظيم الله من تأمّل مَلكوت السماوات والأرض، حتى شهد للقرآن أنه حقّ، وأنّ نبوّة محمّد ﷺ حقّ!.
- برغم كُلّ الانبهار بعجائب الكون، إلا أن البروفيسور أدهشته آية ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّمَا يَخۡشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ</span>﴾، وهذا من عجيب ما يصنعه القرآن بالنّفُوس.
<div style="page-break-after: always;"></div>
## آخرون تأمّلوا بالأفلاك
- قال [[إيمانويل كانط]] وهو رمز الفلسفة الألمانية: (شيئان اثنان يملآن العقل بإعجاب ومهابة متجددين ومتزايدين كلّما كررنا النظر فيهما: الأفلاك المُرصّعة بالنجوم فوقنا، والقانون الأخلاقي في داخلنا).
- [[أبو حفص البزار]] قال عن برنامج [[ابن تيمية]] بعد صلاة الفجر: (ثمّ يشرع في الذكر، وكان قد عُرِفت عادته لا يُكلّمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذكر يُسمِع نفسه، ورُبّما يُسمِع ذِكره من إلى جانبه، مع كونه في خلال ذلك يُكثِر من تقليب بصره نحو السّماء، هكذا دأبه حتى ترتفع الشّمس ويزول وقت النهي عن الصلاة).
- في [[صحيح مسلم]]: (فرفع -النبي ﷺ- رأسه إلى السّماء، وكان كثيرًا مما يرفع رأسه إلى السّماء). وفي [[سنن أبي داود]]: (إذا جلس يتحدّث يُكثِر أن يرفع طرْفه إلى السّماء).
- قال تعالى في ابراهيم الخليل: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَكَذَٰلِكَ **نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ** وَ**لِيَكُونَ مِنَ الۡمُوقِنِينَ** [[الأنعام-75|]]</span>﴾. فاليقين هُنا نتيجة لرؤية ملكوت السماوات والأرض.