# في القرآن كفاية ## بيان الشبهة يكتفي القائلون بهذه المقولة بالقرآن كمصدر للحُجّة والاستدلال دون السُّنة، ويرفضون أيّ حُكم أو دليل يُبنى على السُّنة، ويستدلّون على صحّة مقولتهم بآيات مثل: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ تِبْيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيْءٖ ...[[النحل-89|۝]]</span>﴾ و ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَٰبِ مِن شَيْءٖۚ ...[[الأنعام-38|۝]]</span>﴾. وقد تنبّأ النبي ﷺ‎ بظهور من يقول بمثل هذه المقولة وبيّن انحراف قائلها، فقال ﷺ‎: (لا أُلفينَّ أحدكم مُتكئًا على أريكته، يأتيه أمر مما أمرت به أونهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه). ## حلّ إشكال الشُّبهة ### 1. الأدلّة الشرعية الرافعة لهذه الشُّبهة #### أ. القرآن والسُّنة كلاهُما حجّة، إذ كلاهُما وحي من دلائل هذا في القرآن: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰٓ[[النجم-3|۝]] إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٞ يُوحَىٰ[[النجم-4|۝]]</span>﴾. فهذا يدلّ على أنّ كُلّ ما يصدر عن النبي ﷺ‎ هو وحي. ⛔وقد يعترض البعض في هذه الآية: أن المقصود ما ينطق به النبي ﷺ‎ من القرآن، لا ما ينطق به هو، فالسُّنة يشملها الخطاب. ✅فيقال له: هذا الاعتراض مرفوض من شخص يؤمن بالقرآن، لأن مقتضى هذا الاعتراض هو أنّ ما ينطق به النبي ﷺ‎ عُرضة للهوى، فهذا يطعن في نبوته وعصمته! ⛔وقد يتابع البعض بالاعتراض فيقول: أنّ هذا هو قول بعض المفسرين (أن المقصود ما ينطق به النبي ﷺ‎ من القرآن، لا ما ينطق به هو)، فإذًا المفسّرون أيضًا يطعنون في نبوّته وعصمته. ✅وجوابه: كلا، لا ينطبق على المفسّرين جوابُنا السابق، لسببين: 1. لأن الباعث لسؤالكم هو مُخاصمة السُّنة، أمّا المفسّرون: فإنهم وإن قالوا في هذا الموضع أنّ الآية تعني ما ينطق به النبي من القرآن، ولكنّهم متّفقون على حُجيّة السُّنة وأنّها وحي أساسًا. 2. أن أغلب المفسّرين الذين اختاروا هذا المعنى لهذه الآية، إنّما ذكروه للتنبيه على ما تشتمل عليه الآية، ولم ينفوا المعنى الثّاني؛ فيُعدّ اختلافهم عن المعنى الذي ذكره الآخرون اختلاف تنوّع وليس اختلاف تضاد. <div style="page-break-after: always;"></div> #### ب. تأكيد الله تعالى في القرآن على أنّه أنزل على النبي الحِكمة مع القرآن وذلك في مواضع عديدة، منها: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمٗا[[النساء-113|۝]]</span>﴾. وذُكر نفس المعنى في [[آل عمران-164]] و [[الأحزاب-34]]. فمن الواضح أنّ الحِكمة هي ليست نفس القُرآن؛ لأنّها معطوفة عليه فالعطف يقتضي المُغايرة. والحِكمة هي السُّنة النبوية. لأنّ ما يُبلِّغه النبي للناس إمّا أن يكون من كلام الله (الكِتاب) أو شيئًا مِن كلامه هو؛ وكلامه وأفعاله هي الحِكمة، وهي ما نُسميّه بالسُّنة. #### جـ. الأمر بالقرآن بالالتزام بسُنّته ﷺ‎ يُمكن تقسيم الآيات القرآنية الآمرة بالالتزام بسُّنة النبي ﷺ‎ إلى عدّة أنواع: 1. الأمر الصّريح بوجوب طاعة النبي ﷺ‎: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَٰفِرِينَ[[آل عمران-32|۝]]</span>﴾، وكذلك في [[النور-56]]، و[[النساء-64]]، و[[الحشر-7]]. 2. بيان أن طاعة النبي ﷺ‎ من طاعة الله: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظٗا[[النساء-80|۝]]</span>﴾ 3. بيان الأجر والثواب لمن يطيع الرسول ﷺ‎: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[[النساء-13|۝]]</span>﴾، وكذلك في [[الأعراف-157]]، و[[الأعراف-158]]، و[[آل عمران-31]]. 4. بيان الوعيد لمن يخالف أمره ﷺ‎: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[[النور-63|۝]]</span>﴾، وكذلك في [[النساء-14]]، و[[النساء-115]]، و[[النساء-42]]، و[[المجادلة-20]]. 5. نفي الخيار عن المؤمنين عندما يحكم الرسول ﷺ‎: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٖ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْۗ ...[[الأحزاب-36|۝]]</span>﴾. 6. بيان أن المُعرض عن سُنّته واقع في النفاق: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودٗا[[النساء-61|۝]]</span>﴾. 7. حرمة التقديم بين يدي سُنّته: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاتَّقُواْ اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ[[الحجرات-1|۝]]</span>﴾. 8. الأمر بالردّ إلى الرسول ﷺ‎ عند التنازع: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِي شَيْءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأٓخِرِۚ ...[[النساء-59|۝]]</span>﴾. 9. الأمر بالتأسّي والاقتداء بالنبي ﷺ‎: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْأٓخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرٗا[[الأحزاب-21|۝]]</span>﴾، وكذلك في [[الأعراف-158]]؟ > [!info] فائدة من كاتب الملخص > يُلاحظ أن العديد من الأدلّة في هذا الباب هي من سورة [[🗃️ فهرس النساء|النساء]]، فيجب التمعّن فيها خاصّة فيما يدور في فلك الرّد على هذه الشُّبهة. فلا مَناص لمن يؤمن بالقرآن حقًا من اتّباع سنّة النبي ﷺ‎. ⛔ فإن قيل: أن المقصود بطاعته هو الأخذ بأوامره التي جاءت في القُرآن. ✅ نقول: إن كانت طاعته محصورة في المنصوص عليه في القُرآن، فلماذا يأمُرنا الله بطاعة الرسول؟! فلا فرق بين طاعة الرسول وغيره إن كان يأمر بنفس ما نصّ القرآن عليه. فما معنى تخصيص الرّسول بالطّاعة في كُلّ هذه الآيات؟ ### 2. الأدلة العقلية لرفع الشّبهة #### أ. عدم إمكانية إقامة الدّين قطعًا دون اعتبار السّنة استخدم هذا الاحتجاج العقليّ [[عمران بن حصين]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> في مُخاطبة رجل وقع في هذا الإشكال، فقال له: (إنّك امرؤ أحمق، أتجد في كتاب الله تعالى الظّهرَ أربعًا لا تجهر فيها بالقراءة؟) ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحوهما، ثم قال: (أتجد هذا في كتاب الله تعالى مفسرًا؟ إن كتاب الله أحكمَ ذلك، وإن السنة تُفسّر ذلك). فمن يُنكر السُّنة يعجز عن التدليل على الكثير من الأحكام الشرعية القطعية. ⛔إن قيل: هذه الأمور من قبيل المُتواتر العملي عند الأمّة. ✅ نُجيب: هذا الاعتراض ينقض كلام مُدّعيه، لأنه بهذا يقول أن الحُجّية ليست في القُرآن وحده، بل بالمُتواتر أيضًا. فإن قبِل بهذا فهذا يعني أنّ دعواه بعدم حُجّية السُّنة باطلة. فالمُتواتر هو ما تلقّاه الصحابة عن النبي ﷺ‎، والمُتلقّى عن النبي ﷺ‎ هو إمّا من كلام الله ﷻ‎ (وهو القرآن)، أو مِن كلامه وأفعاله ﷺ‎ (وهو السُّنة). #### ب. أنّ سُنّة النبي ﷺ‎ هي أفضل ما يُعين على فهم القرآن الله عزّ وجلّ جعل من أدوار النبي ﷺ‎ بيانُ القُرآن، قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[[النحل-44|۝]]</span>﴾. وقال [[أحمد بن حنبل|الإمام أحمد]]: (والسنة عندنا آثار رسول الله ﷺ‎، والسنة تفسر القرآن). فأولى من يُصيب مُراد الله تعالى من القرآن هو من يأخذ معانيه من أعلم النّاس به، وهو الرسول ﷺ‎. #### جـ. إنكار السُّنة يلزم منه قطعًا الطّعن في النبي ﷺ‎ وفي القرآن 1. النبي ﷺ‎ ذكر أمورًا ليست في القرآن (كالغيبيات والتشريعات والاحكام)، **فمن يرفض أن يكون قوله ﷺ‎ حُجّة، فهو يُشير بشكل ضمني إلى أنّ الرسول قد أتى بهذه الأمور من هواه**. مثال عليها: ما تواتر من أن النبي ﷺ‎ وأصحابه كانوا يستقبلون بيت المقدس في الصّلاة حتى أمرهم الله باستقبال الكعبة بقوله: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةٗ تَرْضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥۗ[[البقرة-144|۝]]</span>﴾، فعلى أيّ أساس كان النبي ﷺ‎ وأصحابه يستقبلون بيت المقدس مع أنه لم تأتِ بهذا آية؟ 2. لو كانت السُّنة غير واجبة الاتباع، لوجب أن نجد في القرآن ما يوضح هذا. ولكننا نجد العكس في القرآن من الأمر باتباعه ﷺ‎. ويوافق هذا ما سار عليه الصحابة باعتماد السُّنة في التشريع، واتفق عليه المسلمون بعدهم؛ **فمن يُلغي حُجيّة السُّنة، فهو يُشير إلى أنّ الشريعة أضلّت الناس ولم تُبيّن لهم الحق**. <div style="page-break-after: always;"></div> 3. مقولة عدم حُجّيّة السُّنة تعني أنّ قائلها لو كان في زمن النبوة وواجهه النبي ﷺ‎ بأمر ليس في القرآن، لأجابه: يا رسول الله، حسبنا كتاب الله! **ففي هذا سوء أدب وعصيان للرسول**، فكيف يؤمن شخص بالرسالة ويطعن في نبوّة حاملها؟ > [!tip] هام > هذه اللوازم الشنيعة لإنكار السُّنة تُفضي بالكثيرين إلى إنكار بعض أحكام القُرآن أو ترك الإسلام بالكُلّية؛ فالطّعن في النبي والشريعة والقرآن يؤدي إلى التمرّد على الدّين كُلّه. ### 3. الردّ على الأدلّة المُستخدمة من قائلي أنّ في القُرآن كفاية #### أ. ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ تِبْيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيْءٖ ...[[النحل-89|۝]]</span>﴾ يجب فهم ما يعني الله تعالى بكون القرآن تبيانًا لكُلّ شيء: الآية جاءت بعموم أريد به الخصوص. أي أن القرآن جاء تبيانًا للأمور التي يحتاج إليها المُسلم. ولا يُمكن أن يكون المعنى أن في القرآن بيان لكلّ شيء على وجه الإطلاق؛ فليس في القرآن بيان للعلوم الطبيعية كُلّها مثلاً. فهذا باطل بداهة. والقرآن قد يبيّن الأحكام الشرعية إمّا بالنص المُباشر أو بالدلالة عليها بدلائل معتبرة (كالسُّنة).فاتّباع السُّنة هو اتّباع للقرآن (كما سبق بيانه)، فتُفهم الآية بأنّ الأشياء التي تُبيّنها السُّنة هي جزء مما يبيّنه الكتاب. #### ب. ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَٰبِ مِن شَيْءٖۚ ...[[الأنعام-38|۝]]</span>﴾ يظهر معنى هذه الآية بمُلاحظة سياقها: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَـٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَٰبِ مِن شَيْءٖۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ[[الأنعام-38|۝]]</span>﴾. فيظهر من السّياق أن الكتاب هُنا لا يُقصد به القرآن وإنما اللوح المحفوظ، وهذا رأي الكثير من المفسرين. وإن أردنا أخذ رأي من قال أن المُراد بالكتاب هُنا هو القرآن، فنجيبه كما في الآية السّابقة: أنّ القرآن لم يترك شيئًا لم يُبيّنه إما بدلالة ظاهرة، أو بشكل مُجمل بيّنه النبي ﷺ‎.