# <mark style="background: #CACFD9A6;">أسباب اختلاف العلماء والموقف منه</mark> ## <mark style="background: #BBFABBA6;">بداياته</mark> من أوائل الحوادث الشهيرة في اختلاف العلماء هي اختلاف الصحابة في قول الرسول ﷺ‎: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريضة". وفي هذه الحادثة، اتّفق الجميع في تأكدهم من صحة قول النبي ﷺ‎. ولكن اختُلف في مقصد النبي من هذه المقولة: - فهمها بعض الصحابة على أن مقصد النبي ﷺ‎ الاستعجال بالانطلاق لبني قريضة، لا أن تؤخر الصلاة عن وقتها. - أخذها البعض الآخر على معناها أن الصلاة يجب أن تقام في بني قريضة ولو خرجت عن وقتها لأنه أمر من النبي ﷺ‎. ولم يُنكر النبيّ على أيّ من الطائفتين فعلهما. > [!tip] هام > لا شكّ في أن المصيب في هذه الحالة هو إحدى الطائفتين لا كلاهما، لكن يُفهم من تجاوز النبي عن المخطئين أنّ المخطئ بعد الاجتهاد (عندما يكون أهلًا للاجتهاد) معذور في خطئه. <div style="page-break-after: always;"></div> ## <mark style="background: #BBFABBA6;">أسبابه</mark> ### <mark style="background: #FFB86CA6;">أ. الخلاف في ثبوت الدليل</mark> ويرجع الخلاف في ثبوت الدليل لعدّة أسباب، منها: 1. **عدم بلوغ الدليل للعالم**، وبعض أمثلة ذلك: - [[ابن مسعود]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> لم تبلغه كل أحاديث الرسول ﷺ‎ عندما كان في الكوفة، فافتى بما يضاد بعض الأحاديث لعدم علمه بها. - سُؤِل [[أبو بكر الصديق]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> عن ميراث الجدّة، فقال: "ما لكِ في كتاب الله من شيء، وما علمت لك في سنة الرسول ﷺ‎ شيئا، ولكن أسأل الناس"، فسألهم فقالوا أن الرسول ﷺ‎ قضى للجدة بالسدس، فرجع لهذا الحديث. - النبي ﷺ‎، رخص في زواج المتعة، ثم نهى عنه. فأفتى بعض الصحابة بزواج المتعة قبل أن يبلغهم النهي، فعندما بلغهم النهي أخذوا به. 2. **عدم ثبوت الدليل عند العالم**، ومن ذلك: - عدم أخذ [[الإمام مالك]] بخيار المجلس، فقال له رجل: هل عرفتم حديث "البيّعان بالخيار"، فقال له الإمام مالك: "نعم، وأنت تلعب مع الصبيان في البقيع"، وقال له رجل: لم رويتم حديث "البيعان بالخيار" في الموطأ ولم تعملوا به؟ فقال له: "ليعلم الجاهل مثلك، أني على علمٍ تركته". وهذا الحديث قد رواه الإمام [[الإمام مالك|مالك]] عن [[نافع]] عن [[ابن عمر]] - بأصحّ الأسانيد. والسبب في عدم الأخذ به هو أنّ [[الإمام مالك|مالك]] قد حمله على التفرّق في الأقوال، واستدل على ذلك بأن عمل أهل المدينة يدلّ على عدم إثبات خيار المجلس. - قد يصل الدليل للعالم لكنه قد يضعّفه، وقد يصحّحه عالم آخر فيقع الخلاف. ومثال ذلك: الخلاف في طهارة جلود الميتة بالدباغة. فرأى الإمام [[أحمد بن حنبل|أحمد]] بأن جلد الميتة لا يطهر بالدباغة. وبلغه حديث طهارة الدباغة لكنه رآه حديثًا معلولًا. بينما بلغ علماءً آخرين حديث أن الرسول ﷺ‎ نهى عن الانتفاع بشيء من الميتة. ولكن هذا الدليل لم يصح عندهم، بينما صححه الإمام [[أحمد بن حنبل|أحمد]]. - يقول الإمام [[الشافعي]] رحمه الله: إذا صح الحديث فهو مذهبي. 3. **عدم حجية الدليل عند العالم**، ومثاله: - اخلاف العلماء في التتابع في صيام كفارة اليمين. ففي قراءة [[ابن مسعود]] لآية صيام كفارة اليمين يقول فيها "فصيام ثلاثة أيام **متتابعات**" وفي القراءات الأخرى لا توجد كلمة متتابعات.، والإمام [[أحمد بن حنبل|أحمد]] مذهبه وجوب التتابع، وأمّا الإمام [[الإمام مالك|مالك]] مذهبه عدم وجوب التتابع. وسبب الخلاف هو أن القراءة الغير متواترة يعتبرها الإمام [[أحمد بن حنبل|أحمد]] حجة، وغيره لا يعتبرونها حجة. - الإمام [[الإمام مالك|مالك]] يعتبر عمل أهل المدينة بعمل معين يعتبر حجة، وغيره لا يعتبرونه كذلك. <div style="page-break-after: always;"></div> ### <mark style="background: #FFB86CA6;">ب. الخلاف في دلالة الدليل وفهمه</mark> عندما يكون الحديث صحيحًا عند الجميع ولكن يُختلف في فهمه من عدة نواحي: 1. **ما يعرض للدليل من عوارض الأدلة**، مثل: - خلاف العلماء في عموم المفهوم (أي اختلافهم في كون قول الرسول ﷺ‎ في أمر معين يعم كل الحالات المسكوت عنها أم أنه لا). - عدم حجية المفهوم في تخصيص العموم. 2. **الخلاف في دلالات الألفاظ**، مثل - قصة الصلاة في بني قريضة السابق ذكرها. 3. **الخلاف في تحقيق المناط**: وهو يكون عندما يبلغ الحديث كل العلماء ويتفقون في صحته وطريقة فهمه، فيأتي الخلاف في انطباق الحديث بعد فهم معناه في هذه الصورة أو عدم انطباقه. ومن أمثلته: - اتفاق العلماء في الجملة على أن الورق النقدي مالٌ يجري فيه الرِّبا، واتّفاقهم على أن الرِّبا مُحرَّم، ولكن اختلفوا في ربوية سحب الإنسان مالًا من صرّاف بنك غير البنك الذي فيه حسابه. - اتفاق العلماء أن السعي يكون بين الصفا والمروة، ولكن اختلافهم في حدود الصفا والمروة. ### <mark style="background: #BBFABBA6;">موقف الإنسان من خلاف العلماء</mark> 1. **يجب أن لا يكون خلاف العلماء سببًا للتنازع والنفرة والاعتداء والتكفير والتفسيق**. 2. **أن يعذر المخالف غيره في مسائل الاجتهاد**: فيجب التفريق بين مسائل الاجتهاد ومسائل الخلاف التي فيها نص. فإن اجتهد عالم في مسألة لعدم بلوغه نص، ثم بلغه نص في ذلك؛ فيجب عليه أن يأخذ بالنص ويرجع عن فتواه. 3. **عدم جواز تتبع الرخص**: فإن أخذ الإنسان من كل مذهب بالرخص؛ يجتمع فيه الشر كله. وقال السلف: من تتبع الرخص تزندق. وتتبع الرخص يرجع إلى قصد الإنسان: فإن استفتى الإنسان في مسألة فرُخِّص له فيها فلا يأثم بهذا. أما أن يسأل عالمًا فيفتيه بالعزيمة فيترك قوله ويبحث عن غيره حتى يجد من يأتيه بالرخصة فهذا هو تتبع الرخص الذي لا يجوز. مثال على خطورة ما يؤدي إليه تتبع الرخص: - في مذهب الإمام [[أبو حنيفة|أبي حنيفة]]: يصح النكاح من غير ولي، لكن يُشترط وجود الشهود. - في مذهب الإمام [[الإمام مالك|مالك]]: لا يُشترط الإشهاد، لكن يجب وجود الوَليّ، ويجب الإعلان. - في مذهب الإمام [[أحمد بن حنبل|أحمد]]: لا يُشترط الإعلان بل هو مستحب، ولكنّه يوجب الإشهاد. - فإن أتى أشخص وأخذ بموضوع الولي بقول الإمام [[أبو حنيفة|أبي حنيفة]]، والإشهاد بقول الإمام [[الإمام مالك|مالك]]، والإعلان بقول الإمام [[أحمد بن حنبل|أحمد]]؛ فهذا عين الخطأ. 4. **المصيب واحد**: - المجتهد مأجور، لكنه يُصيب أو يُخطئ. 5. **لا يجوز أن يكون حجة**: فالإجماع دليل، لكن الخلاف ليس دليلًا. فإن اختلف العلماء في مسألة فهذا لا يعني أنها مباحة! ومن يعمل بهذه الطريقة يتحلل من الدين!