# 📜 التأسيس الحديثي # مقدمة سنُحاول في هذه المادّة تناول مادة الحديث بطريقة غير تقليدية؛ لأنّ الطّريقة النَّظرية السّائدة في زمانِنا لا تُوصِل إلى الثّمرات المرجوّة مِن تَعلّم عِلم الحديث. وأهمّ ثمرتَينن لِتعلّم علم الحديث: - القدرة على التّعامل مع الأسانيد وفهم أحكام المحدّثين. - القدرة على فَهم حقيقة نَقل السُّنة والرِّواية: ومَن لا يملك هذا الفَهم لا يُمكِنه الدِّفاع عن السُّنة. وللأسف لا يَكتسِب هذه الثّمرة طالِب عِلم الحديث الّذي يَدرُس بالطّريقة السَّائِدة اليوم. # الحديث الصّحيح يكون الحديث صحيحًا إذا توفرت فيه الشّروط الخمسة التالية (بالترتيب): 1. عدالة الرُّواة 2. ضَبط الرُّواة 3. اتصال السَّند 4. السّلامة من العِلّة 5. السّلامة من الشُّذوذ الشُّروط الثلاثة الأولى تدخل في ظاهر الإسناد، وهي تُحدّد أهلية الحديث للوُصول إلى الشرطين الأخيرين (باطن الرِّواية). وعند تحقق الشروط الثلاثة الأولى في حديث فيُسمّى الحديث *صحيح الإسناد* ولكن ليس لا يُعدّ صحيحاً حتى يستوفي باقي الشروط. <div style="page-break-after: always;"></div> ## 1. عدالة الرّواة **مدارُها:** الصلاح في الدِّين والسَّلامة من الفِسق. **هدفها:** منع الكَذب على رسول الله ﷺ. > [!note] ملاحظة > هناك اشتراط ثالتٌ هو السّلامة من خوارِم المُروءَة وهذا الشّرط فيه كلام. فليس كُلّ ما قِيل في خوارِم المُروءَة هي أشياء تُردّ بِها رواية الرّاوي. فهذا الباب اجتهاديّ. ### دليل إمكانية التحقق من عدالة الرواة **من القُرآن:** قوله تعالى: "وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٖ مِّنكُمْ"، فالله يقول أن [[العدالة]] أمرٌ يُمكِن التَّحقق مِنه وقياسُه. وقوله ﷻ‎: "إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ" فهذا يعني أن الفُسوق يُمكن قِياسُه. **من الواقع:** تحقُّق الأهل من المتقدِّم للزواج من ابنتِهم. وأمثلة هذا كثيرة في المُعاملات بين الناس. ### شبهات في باب عدالة الرّواة شبهة: أنّ هناك من انتسبوا زوراً للرواة وهُم مِن المُنافِقين ولفّقُوا ما شاؤوا من الأحاديث ولم يتمكن أحد من اكتِشافِهِم. نقول: يُمكن إثبات أن العدالة يُمكِن أن تُقاس كما بيّنّا في دليل إمكانية التحقق من عدالة الرواة. ولِنفترض أنّ الرّاوي ليس مُنافِقاً بل هو مؤمن وزاهِد وصادِق: فنحن لا نقبَل رِوايَته لِمُجرّد صلاحه. وإنّما هو بصلاحِه قد حقّق الشرط الأول من الشُّروط الخَمسة. وهُناك أمثلة كثيرة لِرواة من أهل الصّلاح ولكن رُفِضت مَرويّاتُهم بسبب عدم ضبطهم أو شُذوذ مروياتِهم، منهم: - [[عبدالله بن عمر العمري]] - لا يُعتمد على حديثه. - قال [[ابن حبان]]: "كان ممّن غلب عليه الصّلاح والعبادة حتى غَفل عن ضبط الاخبار وجودة الحفظ للآثار، فوقعت المناكير في روايته، فلما فحش خطؤه استحقّ التّرك". - [[يعقوب بن شيبة]] يقول عنه: "رجُل صالح مذكور بالعلم والصلاح، وفي حديثه بعض الضَّعف والاضطراب ويزيد في الأسانيد كثيراً". - [[أبان بن أبي عيّاش]] - حديثه متروك. - [[أيوب السختياني]] يقول: ما زلنا نعرفه بالخير منذ دهر. - [[ابن حبان]] يقول: كان من العبّاد، وحدّث عن أنس بأكثر من ألف وخمسمئة حديث ما لكثير شيء منها أصل. - وقال [[الساجي]]: كان رجلًا صالحًا سخياً، يهِمُ في الحديث ويُخطئ فيه. و[[الإمام مالك]] قال (بمعنى حديثه): أدركت 60 رجلًا من أهل المسجد لم أكتب عن أيٍّ منهم الحديث. ### كيفية معرفة العدالة هناك طرُق لمعرفة عدالة الراوي ومنها: - الاستفاضة: أي معرفة ما يُشتهر بِه الإنسان. - السؤال: السّؤال عن حال الإنسان وجَمع أخبارِه. <div style="page-break-after: always;"></div> ## 2. الضّبط يُعتبر شرط [[العدالة]] أمام شرط الضّبط كالنُّقطة أمام البحر؛ فباب الضّبط باب واسِع جداً ويدخُل فيه علم [[مواد/مواد شرعية/علوم الحديث والسنة/مفاهيم/الجرح والتعديل|الجرح والتّعديل]]. ولأجل ضبط أخطاء الرواة الثّقات نشأ [[علم العلل]]. **هدفه:** منع الخطأ. ### كيفية معرفة المحدثين لضبط الراوي 1. **اختبار المُحدِّثين لِضَبطِ شيوخهِم ([[التلقين]])**: [[حمّاد بن سلمة]] من أئمة البصرة وهو أثبت من روى عن [[ثابت البُناني]]، فكان حمّاد يختبر ضبط ثابت بسؤاله عن أحاديث ذكرها هو ولكن بأسانيد مُختلِفة ويتحقق من مُلاحظة ثابت للخطأ. 2. **مقارنة المرويات:** الغالِبيّة العُظمى من الأحاديث المقبُولة رواياتُها مشهورة (رُويت عن العديد من الرواة)، فعادَ المُحدِّثُون لِهذه المَرويات المُتعددة وقارنوا بينها؛ فَظهرت لهُم أخطاء الرُّواة. فيُمكن قياس ضَبط الرَّاوي بِمُقارنة مَرويّاته بِمرويّات غيره، فَمَن كَثُرت أخطاؤُه تبيّن ضَعف ضبطه. 3. **مخالَفِة الأُصول:** كمِثال أن يَروي راوٍ عدداً قليلًا من الأحاديث ويكون مِنها ما يتعارض مع آية ومنها ما يتعارض مع أحاديث صحيحة أو مع الإجماع. فهذا يُضعِف تقييم ضبط الرّاوي. ### كيفية معرفة ضبط الراوي الآن ندرس النّتائج التي توصّل إليها المحدِّثون (في الباب السّابِق): وفي الغالِب لن نستطيع التّوصُّل إلى أحكام أدقّ من الّتي وصلوا إليها، فقد كانت عِندهم رِوايات للأحاديث أكثر بِكثير مِمّا وصلنا، فَلَم يَصِلنا منها إلّا الأوجه التي بقيت في الكُتب. فندرس لنتائج أحكامهم في الرواة عن طريق: 1. معرفة كتبهم: كتب الجرح والتعديل على قسمين: 1. أصلية: تتعلق بأحكام ناقد مُعيّن كـ [[سؤالات أبي داود للإمام أحمد]] 2. تجميعية: تجمَع ما في الكُتب الأصليّة، كـ [[تهذيب الكمال]] لـ [[الحافظ المزّي]]. هذا الكِتاب يذكر الرُّواة ومَن نَقَل عنهم وعَن مَن أخذُوا وتقييم النّاقِدين لهُم. ثمّ قام [[ابن حجر]] باختصار هذا الكتاب في [[تهذيب التهذيب]] كما كتب [[تقريب التهذيب]]. ولا يُمكن الاعتماد على تقريب التهذيب مُنفرِدًا لإصدار الأحكام؛ ففيه جمع الكاتب آراء النُّقّاد كُلِّها برأي واحد. 2. معرفة مراتب النُقَّاد: أي معرفة من كان منهم مُتشددًا في أحكامه ومن كانت شروطه أقل. فيُرجع لِكتاب [[تحرير علوم الحديث]]. 3. معرفة معاني مصطلحاتِهم: كمعنى قولِهم "لا بأس به"، أو "ضعيف"، أو "فيه نظر". يُرجع لِكتاب [[تحرير علوم الحديث]]. 4. معرفة قواعد رفع التعارُض بين كلامِهم: يُرجع لِكتاب [[تحرير علوم الحديث]] وكتاب [[قواعد رفع الخلاف في الحديث النبوي]]. <div style="page-break-after: always;"></div> ## 3. اتصال الإسناد > [!note] ملاحظة > يُهمِل الكثير من المُشكّكين في هذا الزّمن أهمية اتصال الإسناد، بل ويُقدّمون المخطوطات التّاريخية على أحاديثٍ مُسندة، برغم الجهل بِكاتِبها وصدقه وحقيقة مُعايشته للخبر. > [!info] تعاريف > - **[[التَّحمُّل]]**: هو تلقي المعلومة. > - **[[الأداء]]**: كيفية وصيغة إلقاء المعلومة. كقول الرّاوي حدّثني فلان أو أخبرني فلان. هناك درجات لاتصال السّند، منها (بالترتيب من الأكثر وثوقية): 1. السماع المُباشر: أي أن يسمع الرّاوي الحديث مُباشرة من المَرويّ عنه. 2. سماع القراءة على الشيخ: ويُقصد بِها أن يكون السامِع حاضرًا لقارئ يقرأ على الشّيخ، والشّيخ يُقرّ ما يُتلى عليه. 3. المُناولة: هي أن يُعطي الشيخ الراوي كتابًا ويقول له (اروه عني). وهذه أعلى درجات [[الإجازة]]. 4. [[الإجازة]]: أن يأتي الرّاوي للشيخ بما كتبه عنه ويسأله (هل أرويه عنك؟)، فيتحقق الشيخ من المحتوى ويُجيزه. 5. الوجادة: أن يوجد حديث كتبه الشيخ بخطه دون أن يجيز أحد به، ويوجد خلاف في صحة الأخذ بها دون إجازة. لمعرفة اتصال الإسناد ننظر في: 1. **صيغ الأداء:** عند دراسة السّند، يهتمّ أهل الحديث كثيراً بطريقة أداء الرّاوي للحديث، فلِكُلّ لفظة معنى: فقول **سمعت** أو **حدّثنا** تُفيدان معنى غير **أخبرنا**، فالإخبار يكون بأي طريقة كأن يقرأ عليه شيء ويُقِرّ عليه أو أن يكتب لهم أما السّماع والتحديث فيكون باللفظ، ولكنّ اللفظتين تُفيدان اتصال السّند. أمّا قول: **قال** أو **عن** فقد تعني اتصال السّند ولكن نحتاج للتثبّت. 2. **النّظر في الكتب التي اعتنت في بيان السَّمَاع:** للبحث في اتصال السند نرجِع لكتاب [[التاريخ الكبير]] للإمام [[البخاري]]، ففيه ذُكِرَ الرّواة وممّن سمعُوا. 3. **النظر في الكتب التي بينت الانقطاع (المراسيل):** وأشهرها كتاب [[المراسيل]] لـ [[ابن أبي حاتم]] وكتاب [[المراسيل]] لـ [[أبي زرعة العراقي]]. 4. **النّظر في التّواريخ والمُعاصرة:** أي ندرس إمكانية لقاء الرّاوي بِمن يَروي عنه زمانًا ومكانًا. <div style="page-break-after: always;"></div> ## 4. السلامة من العلّة > [!info] تعريف > العلّة: سبب خفي قادح في الحديث الذي ظاهره الصحّة وتُدرك بمخالفة الثِّقات. يقصد عُلماء الحديث هنا العلة الباطنة الخفية في الحديث (أما العلل الظاهرة فهي ما يتم إيجاده في الشروط الأخرى من الإسناد والشذوذ إلخ...). والعلة تكون خطأً يُكتشف بالمُقارنة والتعدد وأبرز أشكاله **مُخالفة الثّقة للثقات**. مثال للفهم: أن نأتي لراوٍ قد روى 20000 حديث ومنها 200 ضعيفة لأنه خالف فيها العديد من الثقات الآخرين؛ فنقول أن ال200 حديث ضعيفة لعلّة. لأن ضعفها اكتُشِف بالمُقارنة مع غيرها، ولو لم نُقارن لقُلنا أنها صحيحة لأن الراوي ثِقة. مثال حقيقي من علل [[ابن أبي حاتم]]: ابن أبي حاتم سأل أبا زرعة عن حديث رواه [[بقيّة بن الوليد]] رواه عن [[عبيد الله بن عمر العمري]]. وبقيّة بن الوليد من الشام وليس مدنيًا مثل عبيد الله بن عمر وليس من أصحابه وليس من الثّقات الكبار به له أخطاء ويتفرّد بحديث بهذا السند الهام. فقال أبو زرعة: هذا حديث مُنكر. قال ابن أبي حاتم: تعرف له علّة؟ قال: لا. فهُنا يقصد بأنه ليس له علّة أي أنّه لا يعرف هذا الحديث من رواة آخرين مع اختلاف هذه الرواية عن رواياتهم، وإنّما هو أنكره لتفرّد بقيّة بن الوليد بهذا الإسناد (وإنكار التَّفرُّد الواقع هُنا يقع تحت شرط السلامة من الشذوذ). ## 5. السلامة من الشذوذ أي السلامة من التفرّد المنكر. وهو تفرّد راوٍ برواية لم يروِها أحد غيره. ولِقياس نكارة الحديث هناك معايير عديدة ودقيقة، كأهمية المتن وأهمية السند وأهمية الشيخ الذي نقل عنه وغيرها.