# باب أهمية استحضار الغاية والحذر من مُزاحمة الغايات الشّريفة بالمطالب الدّنيئة
## مقدمة
يرتبط هذا الباب بوضوح بالباب السابق ([[صدق النية|باب صدق النية]])، ولكن في هذا الباب سيتم الحديث عن نوع الغايات التي تُبتغى، كما سيتم ذِكر بعض الغايات الدّنيئة التي قد تُزاحم الغايات الشريفة.
## الآيات
### 1. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ **ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِۚ** ...[[البقرة-207|]]</span>﴾
- معنى يشري: يبيع.
- تأتي هذه الآية بعد ذكر نوع من الناس (المُنافقين) الذين يقولون قولاً حسنًا ويُشهدون الله على ما في قلوبهم وهُم ألدّ الخِصام، ثم يُذكر في هذه الآية النوع المُعاكس من النّاس الذين يبيعون أغلى ما يملكون (أنفسهم) في سبيل مرضات الله.
- كُلما استحضر المؤمن أن المُبتغى هو رضوان الله فإنّ هذا يُهوّن عليه المَشاقّ ويُرخص الغالي والثّمين مُقابل هذه الغاية الغالية.
- يبين هذا الحديث إحدى الغايات الشريفة للعمل وهي أن يكون (ابتغاء مرضات الله)
### 2. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَأُوذُواْ **فِي سَبِيلِي** وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـَٔاتِهِمْ ...[[آل عمران-195|]]</span>﴾
- من الغايات التي يشملها لفظ (في سبيلي): في سبيل طاعة الله، وفي سبيل إقامة دين الله، وفي سبيل الثبات على هذا الدِّين.
<div style="page-break-after: always;"></div>
## الأحاديث
### 1. عن [[أبي موسى]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما القِتَالُ في سَبيلِ اللَّهِ؟ فإنَّ أحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا، ويُقَاتِلُ حَمِيَّةً، فَرَفَعَ إلَيْهِ رَأْسَهُ، قالَ: وما رَفَعَ إلَيْهِ رَأْسَهُ إلَّا أنَّه كانَ قَائِمًا، فَقالَ: (مَن قَاتَلَ **لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا**، فَهو في سَبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ)
- من أهم ما ينبغي على العاملين في سبيل الله أن يبذلوا لأجله: أن تكون كلمة الله هي العُليا.
- يُفهم من هذا الحديث أنّ مِن أشرف ما يعيش الإنسان لأجله هو أن تكون كلمة الله هي العليا؛ لأنّها جُعِلت غاية لأصعب طريق في الإسلام (طريق الجِهاد).
- في هذا الحديث نجد بعض الغايات التي يجب التنبّه لعدم مُزاحمة الغايات الشريفة بِها، وهي: المُقاتلة غضبًا أو حميًّة. ومع أن هذه الغايات ليست أمورًا مذمومةً لذاتها، ولكن إذا جاء الجهاد في سبيل الله فيجب ألّا أن يُزاحم بمثل هذه الغايات وإن كانت نبيلة.
- إن كان الجهاد في سبيل الله الذي فيه تضحية بالنفس لا يُكتب أجره إلا بإخلاص النيّة، فمن باب أولى أن إخلاص النيّة أمر واجب في كُل عمل مهما عَظُم أو قلّ شأنه.
### 2. حديث من خارج الكتاب: عن [[أبي أُمامة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: جاء رجلٌ فقال يا رسولَ اللهِ أرأيتَ رجلًا غزَا يلتمِسُ الأجرَ والذِّكرَ، ما له؟ قال: (لا شيءَ له) فأعادها ثلاثًا كلُّ ذلك يقولُ لا شيءَ له، ثمَّ قال: (إنَّ اللهَ لا يقبلُ من العملِ إلَّا ما كان له **خالصًا وابتُغِي به وجهَه**)
- هذا الحديث يبيّن كما في الحديث السابق أهمية إخلاص النيّة لله وحده وعدم مزاحمتها بنوايا أخرى.
- كما ذُكر في هذه الحديث غاية أخرى قد يُخطئ الإنسان بإدخالها في النيّة، وهي: الذِّكر (أي لكي يَذكُره الناس).
### 3. عن [[أبو هريرة|أبي هريرة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> أن رسول الله ﷺ قال: (تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَن جاهَدَ في سَبيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ مِن بَيْتِهِ إلَّا **الجِهادُ في سَبيلِهِ وتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ**، أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يَرُدَّهُ إلى مَسْكَنِهِ بما نالَ مِن أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ)
### 4. عن [[أبو هريرة|أبي هريرة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (مَثَلُ المُجَاهِدِ **في سَبيلِ اللَّهِ** -واللَّهُ أعْلَمُ بمَن يُجَاهِدُ في سَبيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ، وتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ في سَبيلِهِ بأَنْ يَتَوَفَّاهُ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مع أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ)
- في هذين الحديثين بيان لأن الثواب يتحقق فقط لمن تكون نيته خالصة لله تعالى.
- في الحديث الثاني إشارة إلى أن من الناس من يُجاهد في سبيل الله ولكن لا تكون نيته صافية.
- في هذين الحديثين بيان لعِظَم أجر الجهاد في سبيل الله.
### 5. عن [[كعب بن مالك]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: قال رسول الله ﷺ: (ما ذئبانِ جائعانِ أُرسلا في غنمٍ، بأفسدَ لها من حرصِ المرءِ على المالِ والشرفِ، لدِينه)
- تُستخدم الأمثال في الوحي بكثرة، ومن فوائدها أنها تُقرّب المعنى للمُتلقّي، وأن استذكارها يكون أسهل.
- الذئب إن تُرك بين قطيع من الأغنام دون مانع، فإنه كثيرًا ما يقتل القطيع كاملاً ولو لم يأكل منه إلّا شاة واحدة، فاستخدم هُنا للتشبيه بمقدار الإفساد الكبير المُترتب للدين عند حرص المرء على المال والشَّرف.
- باختصار: الحرص على المال والحرص على الشَّرف هُما من أهم ما يُفسد الدِّين.
- أهم ما يبينه الحديث هو أثر مزاحمة المطالب الدَّنيئة للمطالب الشريفة.
- مما يدخل في الحرص على الشّرف: المكانة، الوِلاية أو الرئاسة.
- نُلاحظ أن الأمرين المذكورين (المال والشّرف) ليسا بذاتهما من الأمور المُحرّمة، لكن التنبيه هُنا لخطورة الحرص.
- قد يجمع الإنسان من الحسنات والرصيد الدِّيني كما جمع صاحب الغنم غنمه، ثم قد يكون فساد دينه كُلّه بسبب هذين الأمرين. وقد يَفتح السَّير في طريق الدِّين أحيانًا باب المال أو باب المكانة والشَّرف؛ فيجب التَّيقظ مِن تسلل الحرص إلى دينه فيُفسده.
- يوجد ثلاثة أبواب للمُجاهدة في طريق الإنسان:
1. باب في إنشاء الطّاعة.
2. باب في الثبات عليها.
3. باب في المُحافظة عليها من الفساد.
- يجب على المرء تعلّم أبواب الفساد التي يُمكن أن تُفسد عليه دينه (كالأبواب المذكورة في هذا الحديث) ليجتنب الوقوع فيها.
- الحرص على الشرف أمر مذموم بشكل عام إلّا لمن يُريد إصلاحًا.
- من كان يطلب الغايات الشريفة، ويستحضر هذا الطلب؛ فإن التخلي عن المطالب الدّنيئة يكون سهلًا عليه، وبالعكس فإنّ من يطلب المطالب الدّنيئة، فإنه لا يستطيع تبدية الغايات الشريفة عليها.
- قد تُباغت المطالب الدَّنيئة (كالحرص على الشرف) الإنسان بعد تقدُّمِه في طريق الدِّين (كمُباغتة الذئاب)، فتُشَتِّته عَن طريقِه وتتسلَّل إلى ما بناه مِن أساسات فتُفتِّتُها؛ حتى يسقط بناؤه كاملاً.