# باب في السُّنن الإلهية وأهميّة موافقتها في الإصاح وإقامة الدّين وسياسة النّاس ودعوتهم ## مقدمة موضوع السّنن الإلهية موضوع كبير وعظيم ويحتاج لأكثر من الشّرح في هذا الباب لبيانه، وقد تناوله الشّيخ في سلسلة منفصلة تحت عنوان [[السنن الإلهية وأثرها في الإصلاح]] على يوتيوب. من المهم أن يعلم من يسير في طريق الإصلاح أنّ إقامة الدّين والسعي للنهضة به لا يمكن أن يكون على غير قانون السُّنن الإلهية. ومن لا يُراعي هذه السُّنن لا يمكن أن يسير على طريق إصلاحيٍّ صحيح. والسُّنن الإلهية هي باب من أبواب [[الفقه في الدين]]. ## الآيات ### 1. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلٗا[[الأحزاب-62|۝]]</span>﴾ - تتحدث هذه الآية والآيتين التاليتين عن سُنّة إهلاك المكذّبين والظّالمين. - هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن سُنّة إهلاك الله للمنافقين. - سنّة الله في المنافقين إذا تمرّدوا في نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا على ما هُم فيه أنّ الله يسلط أهل الإيمان عليهم فيقهرونهم. - عندما يرى المؤمن واقعًا صعبًا مليئًا بالظلم والإجرام في حق المؤمنين يتفائل عندما يعلم سَيْرَ السُّنن الإلهية ويُحسن الظنّ بالله تعالى؛ لعلمه أنّه سيأتي يومٌ تنقلب فيه الموازين. - هناك قولان للمفسرين في عدم تحقق هذه الآية وما سبقها في حق المنافقين عند غزوة الأحزاب من تقتيل المنافقين ولعنهم: - البعض قالوا أن المنافقين عندما سمعوا هذه الآية رجعوا إلى كتمانهم وانتهوا عمّا كانوا يعملون. - أنّ إخلاف الوعيد جائز من باب الكرم الإلهي، ولكن الأرجح هو القول الأول. - هناك قولان أيضًا للمفسرين في تحديد هويّة (الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُۖ) - البعض قالوا أن المقصود هم الذين خلوا من قبل من أعداء النبي ﷺ‎ الذين سلط الله نبيّه عليهم في بدر من المشركين، وكذلك يهود قريظة. - البعض قالوا أن المقصود هو عامّة من خلوا من قبل وسلّط الله عليهم أولياءه المؤمنين. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 2. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا[[فاطر-43|۝]]</span>﴾ - هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن المكذِّبين من مشركي قريش. - الصّفات التي استوجبت وقوع سنّة الله في المذكورين في هذه الآية: الإعراض والنُّفور عن الحقّ بعد الحُجّة، والاستكبار، والمكر السّيّء. > [!tip] هام > من المهم أن يُنظر للسُّنن الإلهية نظرة شمولية، فلا يُجزم بوقوع سُنّة واحدة دون النّظر للسُّنن الأُخرى؛ فلا يُشترط أن تنزل سُنّة الإهلاك على كُلّ من انطبقت عليه هذه الصّفات، لأنّ هنُاك سُننًا أخرى تشترك بهذه الصِّفات كسُنّة الإمهال وما فيها من الإملاء والاستدراج وهكذا. ### 3. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَاۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَٰفِرُونَ[[غافر-85|۝]]</span>﴾ - هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن المكذِّبين. - هذه الآية تتحدث عن سنّة عدم نفع الإيمان النّاس إذا جاءهم العذاب والعياذ بالله. - عندما يُهلِك الله المكذبين فإمّا أن يكون الإهلاك بخرق السُّنن الكونية كإغراق قوم نبيّ الله نوح عليه السّلام، أو أن يكون الإهلاك بتسليط المؤمنين على الكافرين. - يقول [[ابن عاشور]] أنّ سنّة الإهلاك المذكورة في الآية هي من النوع الأول وليست في النّوع الثاني، فَمَن يُسلَّط عليه المؤمنون ثم يتوب فإنّ توبته تقبل. - من يرى بعينيه تحقق السُّنن الإلهية عند مشاركته في نصرة الدّين والعمل له يتحقق له من اليقين ما لا يتحقق لغيره. ### 4. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٞ مِّنْ أُوْلَـٰٓئِكُمْ ...[[القمر-43|۝]]</span>﴾ > [!note] ملاحظة > تمّ تبديل موضع هذه الآية مع الآية التالية كما أشار الأستاذ في المحاضرة. - ينبغي الانتباه إلى إشارة هذه الآية (وغيرها) إلى السُّنن الإلهية دون ذكر لفظة السُّنن، فينبغي استقراء السُّنن من هذه الآيات (مثل قوله تعالى: **وكذلك** نجزي الظّالمين). - جاءت هذه الآية بعد ذِكر الله تعالى إهلاكه لقوم نوح وعاد وثمود ولوط وفرعون، وفي تتمتها (سيهزم الجمع ويولّون الدّبر) وكان ذلك في غزوة بدر الذي كان يومًا لتحقق سُنن الله تعالى في الأمم السّابقة في الكافرين. - لفهم استمراريّة هذه السُّنة يكفي أن نسأل: أكفّار هذا الزّمن خير من كفّار الأزمنة السّابقة الذين أهلكهم الله؟ والله تعالى يؤكد في كتابه دائمًا أن سُننه لا تتبدل ولا تتغير ولا يمكن إيقافها. ### 5. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ[[آل عمران-137|۝]]</span>﴾ - جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن الهزيمة في غزوة أُحُد، وفيها تعزية للمؤمنين ليروا كيف ستكون عاقبة المكذبين برغم أن نتيجة معركة أُحُد كانت الهزيمة؛ فالعبرة بالعاقبة وليس بالجولة الحالية فقط. - في الآية توجيه لمن يظنّ أن ما حصل يوم أُحُد خارج عن سُنّة الاستدراج التي تُعقب بعد بذلك بِسُنّة الإهلاك أن يسير في الأرض فينظر كيف كان عاقبة المكذبين. ومن ينظر في السُّنن الماضية يفهم أن الإدالة (من المداولة) لأهل الكفر والشِّرك في موقعة أُحُد إنّما هي إمهال واستدراج ليبلغ الكتاب أجله الذي أجّله الله له، ثمّ إمّا أن يؤول حالهم إلى مثل حال الأمم السّابقة التي عُذِّبت، أو أن يُنيبوا إلى طاعة الرّسول ﷺ‎. ### 6. (آية في الإصدار الجديد وليست في الشرح) قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ[[الأنفال-38|۝]]</span>﴾ ### 7. (آية في الإصدار الجديد وليست في الشرح) قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٞ لَّكُمْۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـٔٗا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ[[الأنفال-19|۝]]</span>﴾ ### 8. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٞ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمْ نَصْرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ اللَّهِۚ وَلَقَدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ الْمُرْسَلِينَ[[الأنعام-34|۝]]</span>﴾ - هذه الآية تتحدّث عن إهلاك المكذبين من جهة، ومن جهة أخرى عن تثبيت المؤمنين. - يخبرنا الله تعالى في مجمل هذه الآيات أنّ ما أجراه على الأمم السابقة هو ليس مختصًّا بهم، بل هو متعلق به تعالى‎ وبنظامه وسُنّته التي أجراها على الخلق، والتي أكّد في عديد الآيات أنها سنن جارية لن تتبدل. - يقول [[ابن عاشور]] في (وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ اللَّهِۚ): يجوز أن تكون كلمات الله ما كتبه في أزله وقدره من سننه في الأمم، أي أن إهلاك المكذبين يقع كما وقع إهلاك من قبلهم. ### 9. (آية في الإصدار الجديد وليست في الشرح) قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا مِّنَ الْمُجْرِمِينَۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيٗا وَنَصِيرٗا[[الفرقان-31|۝]]</span>﴾ <div style="page-break-after: always;"></div> ## الأحاديث ### 1. عن [[أبي موسى الأشعري]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: قال رسول الله ﷺ‎: (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ). قالَ: ثُمَّ قَرَأَ ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخْذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ[[هود-102|۝]]</span>﴾ - هذا الحديث يتحدّث عن سُنّة استدراج الظالمين وأنّها قد تُعقَب بالإهلاك. ### 2. (حديث في الإصدار الجديد وليس في الشرح) عن [[عائشة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">J</span> في حديث نزول الوحي: قال ورقة بن نوفل للنبي ﷺ‎: لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ ### 3. عن [[عبدالله بن عباس]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> في قصة هرقل مع أبي سفيان <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، حين قال هرقل له: وسَأَلْتُكَ: هلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ، فَتَكُونُ الحَرْبُ بيْنَكُمْ وبيْنَهُ سِجَالًا يَنَالُ مِنكُم وتَنَالُونَ منه، وكَذلكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لهمُ العَاقِبَةُ - الشاهد من هذا الحديث (وكَذلكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لهمُ العَاقِبَةُ). ### 4. عن [[خباب بن الأرت]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: (قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) - الشاهد هُنا أنّ النبي ﷺ‎ ضبط سياق واقع المسلمين وتعذيب المشركين لهم بالسّياقات التي وقعت مع من قبلهم. - السُّنة المعنية في الحديث هي سُنّة الابتلاء. <div style="page-break-after: always;"></div> ## خاتمة ### وقد كانت سيرة النبي ﷺ‎ كُلّها موافقة للسُّنن الإلهية في الدعوة، وإقامة الحُجّة، ومدافعة الباطل، والابتلاء، والصبر على أذى الكفار، ثمّ جهادهم، ثم إهلاكهم، حتى جاء نصر الله والفتح - تشير هذه الخاتمة إلى أنّ سيرة النبي ﷺ‎ كلها موافقة للسُّنن الإلهية ولا حاجة للبحث عن نص مباشر لبيان السُّنن الإلهية في السيرة النبوية.