# باب تعظيم حدود الله والتحذير من مخالفة أمره وأمر رسوله ﷺ
## مقدمة
يرتبط هذا الباب بباب [[مرجعية الوحي]]؛ فتعظيم حدود الله هو جزء من تعظيم الوحي ومرجعيته.
وتعظيم الوحي له ثلاثة مجالات أساسية:
1. تعظيم الله تعالى.
2. التعظيم المجمل لكتاب الله وسُنّة رسوله ﷺ.
3. **التعظيم التفصيلي** للأمور التي عظّمتها الشريعة.
وفي هذا الباب نتناول تعظيم حدود الله وهو من **التعظيم التفصيلي** لأمر عظمته الشريعة.
يجب التنبّه لأنّ المطلوب تجاه الأوامر الشرعية: الامتثال والتعظيم. وينقسم النّاس في علاقتهم مع الأوامر الشرعية لثلاثة أصناف:
1. منهم من يمتثل ويُعظّم: وهو أفضل الأصناف.
2. منهم من يمتثل لها دون تعظيمها.
3. منهم من لا يمتثل لها ولا يُعظّمها.
من أهداف هذا الباب الدفع للامتثال مع التعظيم. فعند الامتثال بعد التعظيم يكون الأداء دون تكلّف.
## الآيات
### 1. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّمَا الۡمُؤۡمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ [[الأنفال-2|]]</span>﴾
- من أهم الوسائل لنتعرف على صورة التعظيم أن ننظر في الصورة المضادّة لها وهي الاستهانة: فنجد آية: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتۡهُ الۡعِزَّةُ بِالۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ الۡمِهَادُ [[البقرة-206|]]</span>﴾.
- من أهم علامات المؤمنين أنّه إذا ذُكّر بالله يتذكر، وإذا خوّف بالله يخاف! كقول السيدة مريم عليها السلام: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِالرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّٗا [[مريم-18|]]</span>﴾، فذكّرته بالله وبالتقوى ليستجيب وليخاف الله.
- وجل القلوب عند ذكر الله تعالى يُشعر بالسعادة عند الامتثال لأمر الله وبالخوف عند مواجهة محرماته.
- وجل القلوب يكون بالذكر اللفظي وكذلك بالذكر القلبي أو الذهني.
- البوابة الأساسية للوصول لدرجة التعظيم العالية لحدود الله تعالى هي [[الإيمان بالله|العلم بالله]] قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... إِنَّمَا يَخۡشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ ...[[فاطر-28|]]</span>. ومن أهم سبل العلم بالله: تدبر كتابه، والتفكر في مخلوقاته.
- والحديث عن زيادة الإيمان الناتجة عن ذكر الله سبقت في المجلس السابق ([[تلقي القرآن على منهاج النبوة]]).
### 2. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى الۡقُلُوبِ [[الحج-32|]]</span>﴾
- ربطت هذه الآية بين تقوى القلوب وتعظيم شعائر الله.
- الكثير من المفسرين يحصرون [[شعائر الله]] المذكورة في الآية بشعائر الحجّ فقط لأنها جاءت في هذا السياق، وبعضهم من يعتبرها تشمل كلّ شعائر الله في الحجّ وغيره.
- تعظيم الشعائر هو جزء من تعظيم حرمات الله.
### 3. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... فَلۡيَحۡذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ [[النور-63|]]</span>﴾
- يقع التعظيم هنا من عدة نواحي: ناحية تعظيم أن الأمر هو أمر الرسول ﷺ، وناحية تعظيم أن تؤدي المخالفة للفتنة (والفتنة فسرها المفسرون بالشرك أو الكفر).
- كلما ازداد إيمان الإنسان وورعه ازداد خوفه أن يُفتن في دينه. وكلما قلّ الإيمان والورع يتهاون الإنسان في المخالفة لظنه أن حسناته تشفع له.
- العلم بالوعيد من أهم ما يوصل لتعظيم حدود الله؛ لأنه يورث الخشية ويُعين على معرفة خطورة تعدي هذه الحدود.
- على المسلم أن يعلم درجات التعظيم لكل أمر في الشريعة ليعطي كبائر الأمور حقها من التعظيم.
- من الأمور المغلظة: إضاعة صلاة العصر، الحلف كاذبًا بعد العصر، الزنا، الحلف كاذبًا عند منبر النبي ﷺ، قتل المؤمن، الكذب على رسول الله ﷺ، السرقة.
## الأحاديث
### 1. عن [[عائشة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">J</span>: أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: مَن يُكَلِّمُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَلَّمَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: (أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ) ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: (يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما ضَلَّ مَن قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فيهم أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ، لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ ﷺ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا)
- من تعظيم ما نزل فيه حد من حدود الله تعالى؛ أن لا يتم تعطيله لأجل الأنساب، والاعتبارات الاجتماعية، والاعتبارات الشخصية.
- نرى هنا نموذجًا للعرب عند بداية إسلامهم؛ فكانوا لا يريدون أخذ الشريعة كُلها، بل أخذ ما يناسب اعتباراتهم الحياتية والاجتماعية، ويريدون ترك ما يتعارض معها. فأخبر النبي ﷺ أنّ هذا من أهم أسباب هلاك الأمم.
- صعب على قريش أن تقطع يد امرأة من قبيلتهم، فأرادوا أن يطلبوا من الرسول ﷺ التجاوز عنها، ولكنهم علموا أنه لا يُجامل في حدود الله، فلم يذهبوا إليه مباشرة بل أتوه عن طريق [[أسامة بن زيد]]. ولم تكن القضية أنهم يريدون تعطيل الأمر الشرعي بشكل مباشر؛ وإنما أرادوا إيجاد مخرج للأمر دون قطع يد المرأة.
- ردُّ النبي ﷺ كان فيه نوع من القسوة والدقة، فقوله (أتشفع في حد من حدود الله) يُعلّم فيه الصحابة تعظيم قيمة الحدود في أنفسهم.
### عن [[أبي بكر]] الصّديق <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span>، أنه قال: لَسْتُ تَارِكًا شيئًا، كانَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ يَعْمَلُ به إلَّا عَمِلْتُ به، فإنِّي أَخْشَى إنْ تَرَكْتُ شيئًا مِن أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ
- هُنا نرى تطبيق أبا بكر <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span> للتعظيم مع الامتثال، وهذه نتيجة تربية النبي ﷺ لأصحابه على التعظيم لشعائر الله.
- نحن اليوم في زمن كثر فيه تهوين شعائر الله وأوامره، فيجب على المربّي إحياء تعظيمها في قلوب الناس.
### عن [[عبد الله بن عباس]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span>، قال: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ بنِ بَدْرٍ، فَنَزَلَ علَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيْسِ بنِ حِصْنٍ، وكانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وكانَ القُرَّاءُ أصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ ومُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أوْ شُبَّانًا، فَقالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أخِيهِ: يا ابْنَ أخِي، هلْ لكَ وجْهٌ عِنْدَ هذا الأمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لي عليه؟ قالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لكَ عليه، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ، قالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، واللَّهِ ما تُعْطِينَا الجَزْلَ، وما تَحْكُمُ بيْنَنَا بالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ، حتَّى هَمَّ بأَنْ يَقَعَ به، فَقالَ الحُرُّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">خُذِ الۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِالۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ الۡجَٰهِلِينَ [[الأعراف-199|]]</span>﴾، وإنَّ هذا مِنَ الجَاهِلِينَ، فَوَاللَّهِ ما جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عليه، وكانَ وقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ
- مجلس عمر:
- كان مجلسًا مهيبًا ،وله شأن، ومليء بالحكمةز
- كان معيار اختيار عمر للحاضرين في المجلس معيارًا يُدرَّس لعظمته.
- القُرّاء في هذا الحديث: هم العُلماء العُبّاد.
- كان عمر وقّافًا عند كتاب الله: هذه العبارة أقرب ما تكون للنوع الثاني من التعظيم: التعظيم المجمل لكتاب الله.
- يظهر التعظيم الحقيقي عندما يستطيع المؤمن أن يُهيمن بالنّص القرآني على داعي النّفس المُعارض. فنرى هُنا أن عُمر منع نفسه مما أغضبها عندما سمع كلام الله تعالى يأمره بالإعراض عن الجاهلين.