# باب تلقي القرآن على منهاج النبوة وتقديم مقصد العمل به وتدبره والاستهداء والاستغناء به وتحكيمه وزيادة الإيمان به على غير ذلك من المقاصد ## مقدمة حلقات تحفيظ القرآن هي أمر مُنتشر ومُتّفق عليه في العالم الإسلامي، ولكن في هذه الحلقات جوانب من النّقص سيتم بيانه عن طريق مقارنة وفهم النصوص القرآنية التي تبين الصورة الصّحيحة للعلاقة مع القرآن الكريم. ولأنّ في هذه المجالس تركيز على الجانب الإصلاحيّ؛ فمن أهمّ ما يجب إصلاحه هو إصلاح الجذور، ومن أهمها جذر مرجعية الوحي وكيفية تلقّيه على الوجه السليم. ## الآيات ### 1. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الۡأَلۡبَٰبِ [[ص-29|۝]]</span>﴾ - يبين الله في هذه الآية مركزية **التدبّر** وأن من مقاصد إنزال القرآن أن يتم تدبره. - ومن المقاصد أيضاً **التذكر**؛ وهو الاتعاظ والاستقامة وإزالة الغفلة، ويأتي التذكّر من بوابة التدبّر. - ينبغي على الإنسان مقارنة الواقع مع المقاصد المذكورة في هذه الآيات ليُصحح المسار. ### 2. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّمَا الۡمُؤۡمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ [[الأنفال-2|۝]]</span>﴾. وقال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَٰذِهِۦٓ إِيمَٰنٗاۚ فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ [[التوبة-124|۝]]</span>﴾ - الآيتان تبينان أن من أعظم ما يحققه القرآن هو **زيادة الإيمان**، بل وتبين الآية الأولى أن المؤمنين حقًا هُم من يتلقى القرآن على مقياس الوحي. - عندما نُلاحظ حالات لم يُؤدي فيها تلقّي القرآن لزيادة في الإيمان فهذا يعني أنّه كان هناك إشكالاً في التلقّي. ### 3. قال تعالى في 4 مواضع من سورة القمر: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا الۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ [[القمر-40|۝]]</span>﴾ - وهنا تأكيد على أن من مقاصد القرآن أن يقود **للتذكر**؛ فالذكر المقصود هنا هو التّذكر للاعتبار والاتّعاظ. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 4. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">اللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ الۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ اللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُضۡلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ [[الزمر-23|۝]]</span>﴾ - تشير هذه الآية أيضًا لمعنى **زيادة الإيمان**؛ لأن الخشوع والخشية والإنابة المُشار إليهم من الجوانب الإيمانية. ### 5. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ الۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ [[الحديد-16|۝]]</span>﴾ - خشوع القلب هو من أهم صور **زيادة الإيمان** من تلقي القرآن. ### 6. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَٰغٗا لِّقَوۡمٍ عَٰبِدِينَ [[الأنبياء-106|۝]]</span>﴾ - مما ذُكر في تفسير الآية: أنّ في هذا القرآن كفاية ومنفعة لقوم عابدين. - من المقاصد المهمة هنا هو مقصد **الكفاية والاستغناء** بمرجعيته عن غيره > [!tip] هام > لا يعني الاكتفاء بالقرآن عن غيره التخلي عن المرجعيّات الأخرى؛ لأنها مذكورة فيه، وقد بيّن القرآن اعتبار مرجعيّات أخرى. ### 7. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">إِنَّ هَٰذَا الۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ الۡمُؤۡمِنِينَ الَّذِينَ يَعۡمَلُونَ الصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا [[الإسراء-9|۝]]</span>﴾ وقال: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا [[الجن-1|۝]] يَهۡدِيٓ إِلَى الرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ ...[[الجن-2|۝]]</span>﴾ - تبين هاتان الآيتان مقصد **الاهتداء** بالقرآن. - إدراك هذا المقصد يجعل المتلقّي يتلقّى القرآن بعين الباحث عن الهداية. ### 8. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ الۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ [[آل عمران-79|۝]]</span>﴾ - أيّ أنّ دراسة القرآن وتدريسه هي وسائل لتحقيق غاية **الربّانيّة**. ### 9. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">فَلَا تُطِعِ الۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا [[الفرقان-52|۝]]</span>﴾ - تُشير الآية إلى أنّ من مقاصد القرآن **مدافعة الباطل** به. - في القرآن مضامين مختلفة: منها ما يبني الحق ، ومنها ما يهدم الباطل. وعلى المصلحين إبقاء عين على الحق، وعين على الباطل؛ ليسيروا على هدى ولتكون خطاهم ثابتة. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 10. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ [[يونس-57|۝]]</span>﴾ - المقصد المذكور هنا أن يكون **شفاء**، وهذا المقصد يندرج تحت مقصد **الهداية**. - الأساس في الآية هو الشفاء المعنويّ (أي شفاء لما قد يقع في النفوس من تساؤلات وشبهات). ## الأحاديث ### 1. قال [[ابن عمر]]: لقد لبِثنا بُرهةً من دهرٍ وأحدُنا ليؤتَى الإيمانَ قبل القرآنِ ، تنزلُ السورةُ على محمدٍ ﷺ‎ فنتعلمَ حلالَها وحرامَها وأمرَها وزاجِرَها وما ينبغي أنْ يوقفَ عنده منها كما يتعلمُ أحدُكم السورةَ ، ولقد رأيتُ رجالًا يؤتَى أحدُهم القرآنَ قبل الإيمانِ يقرأُ ما بين فاتحتهِ إلى خاتمتهِ ما يعرفُ حلالَه ولا حرامَه ولا أمرَه ولا زاجِرَه ولا ما ينبغي أنْ يوقفَ عنده منه وينثرهُ نثرَ الدَّقْلِ - يقارن ابن عمر بين طريقتين لتلقي القرآن: الأولى في عهد النبي ﷺ‎ والثانية في زمن من بعده ويذم الطريقة الثانية. - يؤكد هذا الحديث على مقصد **زيادة الإيمان** عند تلقي القرآن. - أشار لاستسهال الناس أمر القرآن، بينما استشعر الصحابة قيمته وشأنه فكانوا يجهزون أنفسهم وقلوبهم لتلقيه. - ولتجهيز القلوب لتلقي القرآن ينبغي إعطاء الطالب دروسًا في: - أعمال القلوب. - الإيمان. - الآخرة. - العلم بالله. - العلم بكتاب الله. - إدراك ما يُعظم خلاله كتاب الله. - ويمكن ربط قول ابن عمر أنهم كانوا **يتعلمون** ما في السورة من حلال وحرام بآية ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ الۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ [[آل عمران-79|۝]]</span>﴾ (مقصد **الربانية**). - ويمكن ربط تعلّمهم لأمر السورة وزجرها بآية ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا الۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ [[القمر-40|۝]]</span>﴾ (مقصد **التذكر**). ### 2. عن [[جندب بن عبد الله]]، قال: كنَّا معَ النَّبيِّ ﷺ‎ ونحنُ فتيانٌ حزاورةٌ فتعلَّمنا الإيمانَ قبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ ثمَّ تعلَّمنا القرآنَ فازددنا بِه إيمانًا - يؤكد هذا الحديث أيضًا على مقصد **زيادة الإيمان**. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 3. عن [[أبي هريرة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span> عن النبي ﷺ، قال‎: (وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ) - يؤكد هذا الحديث على **تدارس القرآن**، وكذلك على ناحية التلاوة. ### 4. قال [[أنس بن مالك]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">h</span>: (جَاءَ نَاسٌ إلى النبيِّ ﷺ‎، فَقالوا: أَنِ ابْعَثْ معنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إليهِم سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ، يُقَالُ لهمْ: القُرَّاءُ، فيهم خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، وَيَتَدَارَسونَ باللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بالمَاءِ فَيَضَعُونَهُ في المَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ به الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ). - وصف أنس بن مالك الأنصار المذكورين بالحديث بالقرّاء؛ لأن انشغالهم الكبير بالقرآن جعل هذه الصفة هي الصفة التعريفية لهم. - ونجد أن عمل هؤلاء القراء كان **قراءة القرآن وتدارسه وتعلمه**. ### 5. عن [[أبي عبد الرحمن السُّلمي]]، قال: حَدَّثَنا مَن كان يُقرِئُنا مِن أصْحابِ النَّبيِّ ﷺ‎، أنَّهم كانوا يَقتَرِئونَ مِن رسولِ اللهِ ﷺ‎ عَشْرَ آياتٍ، فلا يَأخُذونَ في العَشْرِ الأُخرى حتى يَعلَموا ما في هذه مِن العِلْمِ والعَمَلِ، قالوا: فعَلِمْنا العِلْمَ والعَمَلَ. - هذا نص عملي لمنهج تلقي القرآن عن النبي ﷺ‎، وينبغي إعادة تفعيل وتحقيق هذا المنهج. - ومن المعاني المركزية في هذا النص: **تعلم العلم والعمل**. ### 6. عنِ [[ابن مسعود]] ، قال : كان الرجلُ منا إذا تعلَّم عشرَ آياتٍ لم يجاوزْهنَّ حتى يعرفَ معانيهن والعملَ بهن. - مقصده المركزي كما في الحديث السابق: **تعلم العلم والعمل** بما في القرآن. ### 7. عن [[الإمام مالك]] رحمه الله: أنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثمانية سنين يتعلمها. - يُظهر هذا الحديث جانبًا من عظمة فقه الإمام مالك رحمه الله؛ فقد ذكره بعد حديث الخوارج الذي فيه: (كانوا يقرؤون القرآن لا يجاوز منهم تراقيهم). فكان في وضع هذا الأثر بعد حديث الخوارج مقارنة لحال الفريقين مع القرآن. كما أنه يبين أن أخذ الخوارج لم يحققوا من أخذهم للقرآن ما كان ينبغي أن يتحقق من التلقي. - ويشير هذا الأثر إلى أنّ الشأن ليس في كثرة التلاوة، بل في كيفية تلقي القرآن. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 8. عن [[أنس]] أنَّ رجلًا كان يكتب للنبيِّ ﷺ‎ وكان قد قرأ البقرةَ وآلَ عمرانَ وكان الرجلُ إذا قرأ البقرةَ وآلَ عمرانَ عَزَّ فينا يعني عَظُمَ. - نفهم من تعظيم من تلقّى البقرة وآل عمران أنه لم يُقصد بالتّلقي هُنا مُجرّد الحفظ. - بل يُقصد بتلقي السورتين: - تلقّي أدائهما الصحيح وربما يتضمن حفظها. - تلقي ما فيها من العلم والعمل. - فلا يُعتبر من يحفظ القرآن في زماننا حفظًا دون علم بمحتواه أنه قد وصل لهذه النتيجة من التلقي التي يتحدّث عنها الصحابة (ولو جمع عدة تلاوات)؛ لأن هذا الحفظ كله يندرج تحت تلقّي الأداء.