# باب في صدق النية وأن العمل المقبول هو ما ابتغي به وجه الله تعالى ووافق السُّنة ## مقدمة سنذكر في هذا الباب ما يُرسّخ ويوضّح أهمية النيّة، وسنذكر الدوافع التي تدفع الإنسان للإخلاص، والدوافع التي تمنع الإنسان عن الرِّياء. ## الآيات ### 1. قال تعالى ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا[[الكهف-110|۝]]</span>﴾ - صفات الأعمال التي يستعد بها الإنسان للقاء ربه تعالى: 1. أن يكون العمل صالحًا (ومعياره أن يكون العمل مما أمر به الوحي). 2. إخلاص العمل لله. ## الأحاديث ### 1. عن [[عمر بن الخطاب]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، قال: قال رسول الله ﷺ‎: (إنَّما الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لِامْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ) - اتفق أئمة الإسلام على تعظيم هذا الحديث، وقال العديد من كبار العلماء أنّ هذا الحديث هو ثُلث الإسلام. فينبغي أن نبحث عن كيفية وصول العلماء لهذه النتيجة لكي نَفْقَهَ كيفية تحديد الأمور المركزية في الدّين. - جاء في الحديث مثال الهجرة لأنها من أشدّ المشاقّ على الناس، وبرغم هذا النَصَب في الهجرة ولكنّها لا تشفع لصاحبها إن لم تكن خالصة لله. - يرسّخ هذا الحديث أن كلّ الشأن في الأعمال يكون في النيّة. ### 2. عن [[أبو هريرة|أبي هريرة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، قال: قال رسول الله ﷺ‎: (قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ) - من الدوافع التي تدفع الإنسان للإخلاص أن يشعر الإنسان بعظمة الله ﷻ‎ الذي يُقدّم العمل له؛ فمن استشعر هذا فإنه يمتنع عن إشابة العمل الذي يُقدّمه لخالقه تعالى بإشراك غيره معه فيه. - سرّ تحقيق الإخلاص المذكور في هذا الحديث هو معرفة الله تعالى. ### 3. عن [[سعد بن أبي وقاص]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، أن رسول الله ﷺ قال‎: (إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حتَّى ما تَجْعَلُ في فيّ امْرَأَتِكَ) - يتشابه هذا الحديث مع الحديث الأول في أنّ الفعل نفسه قد يكون فيه أداء لشخص آخر (الزوجة) ولكنّه إمّا أن يؤجر عليه أو أن يحبط عمله، والمحدد لهذا هو النيّة التي يُعمل العمل لأجلها. - الأصعب على الإنسان أن يستحضر إخلاص نيته لله تعالى في الأعمال البسيطة اليومية؛ لأنّ هذه الأعمال تحكُمها العادة. أمّا الأعمال الشّاقة فعادة ما يتذكر الإنسان فيها استحضار إخلاص النيّة فيها لشعوره بعظمتها. - كُلّ ما يعمله الإنسان يؤجر عليه إن نوى به عملاً صالحًا. حتّى الأمور المعتادة الضرورية كالنوم أو الأكل يؤجر عليها المرء إن نوى بها التقوّي للقيام بعمل صالح. - التفاضل يوم القيامة يكون بالنيّات وليس بكثرة الأعمال؛ فمن يُكثر من العمل دون استحضار النية قد يسبقه قليل العمل مُستحضر النية. ### 4. حديث من خارج الكتاب: عن [[أنس بن مالك]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، قال: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ في غَزَاةٍ، فَقالَ: (إنَّ أَقْوَامًا بالمَدِينَةِ خَلْفَنَا، ما سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إلَّا وَهُمْ معنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ) - يبين هذا الحديث أن النيّة تُبلّغ الإنسان أجورًا ولو لم يستطع القيام بالعمل. ### 5. عن [[عِتبان]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، أن النبي ﷺ قال‎: (فإنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَى النَّارِ مَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بذلكَ وجْهَ اللَّهِ) ### 6. عن [[أبو هريرة|أبي هريرة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، أنه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: (لقَدْ ظَنَنْتُ، يا أبَا هُرَيْرَةَ، أنْ لا يَسْأَلَنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ، أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ مَن قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قِبَلِ نَفْسِهِ) ### 7. عن [[أنس بن مالك]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، أن النبي ﷺ قال‎: (ما مِن أحَدٍ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِن قَلْبِهِ، إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ علَى النَّارِ) - في هذا الحديث والحديثين السابقين بيان لأهميّة ومكانة ومركزيّة لا إله إلا الله في الآخرة، وهُناك أحاديث أُخرى تبيّن مكانتها في الدّنيا. لكن من المهم التنبّه إلى أنّ قول لا إله إلا الله يجب أن يترافق مع أوصاف معيّنة بينتها هذه الأحاديث: - أن يقولها مبتغيًا بذلك وجه الله بها. - أن يقولها خالصًا من قِبل نفسه. - أن يقولها صدقًا من قلبه. - نفهم من هذه الأحاديث أن الشأن هو لما في القلب، وليس لنطق الأقوال دون استشعار النية في لفظها. - على الإنسان مُراجعة قضيّة الإخلاص طيلة طريقه لله تعالى والتأكّد من تحقيقها. ### 8. عن [[عائشة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">J</span> قالت: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: (لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ) - يبين الحديث أن أعمال الخير هي من أهم ما أمر به الإسلام؛ ولكنّ أجورها لا تتحقق للمرء إلّا إن ابتُغِيَ بها وجه الله تعالى واصطحبها توحيد الله تعالى. ### 9. عن [[أبي كبشة الأَنمَاري]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span>، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول‎: (أحدثُكمْ حديثًا فاحفظوهُ فإنهُ قال : إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ : عبدٌ رزقَهُ اللهُ عز وجل مالًا وعِلمًا فهوَ يتَّقي فيهِ ربَّهُ ويصلُ فيهِ رحمَهُ ، ويعلمُ للهِ عز وجل فيهِ حقَّهُ . قال : فهَذا بأفضلِ المنازلِ . قال : وعبدٍ رزقَهُ اللهُ عز وجل علمًا ولمْ يرزقْهُ مالًا ، قال : فهوَ يقولُ : لوْ كان لِي مالٌ عمِلتُ بعملِ فلانٍ ، قال : فأجرُهما سواءٌ ، قال : وعبدٍ رزقَهُ اللهُ مالًا ولمْ يرزقْهُ عِلمًا ، فهوَ يخبطُ في مالِهِ بغيرِ علمٍ لا يَتقي فيهِ ربَّهُ عز وجل ، ولا يصلُ فيهِ رحمَهُ ، ولا يعلمُ للهِ فيهِ حقَّهُ ، فهذا بأخبثِ المنازلِ ، قال : وعبدٍ لمْ يرزقْهُ اللهُ مالًا ولا علمًا فهوَ يقولُ : لوْ كان لي مالٌ لعملْتُ بعملِ فُلانٍ ، قال : هيَ نيتُهُ فوزرُهُمَا فيهِ سواءٌ) - يدل هذا الحديث على حرص النبي ﷺ‎ على نقل السُّنة بإبلاغها وحفظها ونقلها بقوله (أحدثكم حديثًا فاحفظوه). - في هذا الحديث حثّ على حفظ السّنة بشكل عام. - أمرُ النبي ﷺ‎ بحفظ هذا الحديث دليل على أهميّة مضمونه. - كما يدلّ هذا الحديث بشكل ضمنيّ على عدالة المُبلّغ (الصحابة)؛ لأن النبي ﷺ‎ أمرهم بالحفظ والنقل. - اشتغل الفقهاء كثيرًا في أمور النية المُتعلِّقة بالعبادات، ولكن قل التركيز على النيّة في مجالها الأساسي في الوحي؛ وهو ابتغاء وجه الله تعالى والإخلاص له. - في هذا الحديث يخبِرُنا رسول الله ﷺ‎ أنّ الإنسان بنيّته قد يبلغ أجور الطّاعات التي لا يملك من المال ما يؤهله لبلوغِها. - في الحديث إشارة إلى أهميّة العلم للعامل؛ فمن يعمل على علم يستطيع توجيه عمله ليكون صحيحًا فيلقى القَبول من الله ﷻ‎. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 10. عن [[عائشة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">J</span> أن رسول الله ﷺ قال‎: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ) - هذا الحديث يبيّن أهمية أن يكون العمل على منهج النبي ﷺ‎ وتبعًا لسُنّته؛ ليندرج تحت العمل الصالح. - وصف هذا الحديث أنّه ثلث (أو ربع) الإسلام. - لو عمل الإنسان عملاً على غير سُنّة النبي ﷺ‎ فلن يقبل، ولو كان خالصًا لله. > [!tip] هام > هذا لا يعني أن الإنسان لا يؤجر على ما اجتهد فيه ظانًّا أنه صواب، ولكن المقصود أن من لا يجتهد لمعرفة الحقّ ويعمل عملاً على غير سُنّة النبي ﷺ‎ فعمله يُردّ. - من هذا الحديث يُفهم أن الشريعة لم تأمرنا بعمل الخير فقط، بل أمرتنا بعمل الخير بطريقة مُعيّنة. وفي هذا المعنى يأتي أيضًا حديث النبي ﷺ‎ (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ...)، فمن الخير الذي يأتي المرء من [[الفقه في الدين]]؛ أن يعمل الإنسان العمل على الصورة التي يريدها الله فيكون أحرى أن يُقبَل عمله.