# باب في صفات المصلحين وما ينبغي أن يكون عليه العاملون للإسلام ## مقدمة ## الآيات ### 1. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٖ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَاللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ[[المائدة-54|۝]]</span>﴾ - جعل الله تعالى قوانينًا للسير في الأرض والقيام على صلاحها، ومن جملة هذه القوانين أن المصلحين في الأرض هُم من البشر، ويعطي الله هؤلاء المصلحين من مدده وعَونه إن ساروا على صفات معينة. لكن المشكلة أننا ننظر للعقبات والتحديات بشكل مباشر وبنظرة ماديّة، بينما يكون الشأن في الإصلاح ليس بالتعامل مع هذه التحديات بشكل مباشر وإنّما بالإتيان بهؤلاء القوم وتأسيسهم وبنائهم. - ينبغي استحضار أن السِّياق في الآية هو سياق استبدال لِمَن تخلّوا عن الإصلاح، وهذا يدلّنا على أنّ هذه الصفات هي صفات مركزية في المصلحين وليست صفات ثانوية - من صفات المصلحين في الآية: - **يحبّهم ويحبّونه**: هذا المعنى مذكور في الحديث 2 في هذا الباب. الحالة الإيمانية القلبية بأسمى صفاتها وهي محبة الله تعالى هي من أهم صفات المصلحين، فإعداد المصلحين لا يكون فقط بإعداد مهارات وخبرات الأشخاص بل إنّ أوّل صفة ذكرها الله في المصلحين هي هذه الصفة القلبية وهي محبة الله تعالى (يُرجع إلى مقطع [[مركزية التزكية]]). - **أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين**: تذكّر هذه الصفة بالآية 2 في هذا الباب. فعلى المصلح الجمع بين اللين واللطف والرحمة والذلّة للمؤمنين، والعزّة والشدّة على الكافرين. ويجب أن يكون مُوجب هذا التنوع في التعامل هو محبّة ما يحبّه الله تعالى وإبغاض ما يبغضه (كما في الصّفة السّابقة)، بل ويكون تحديد معايير المحبة والبغضاء واللين والشدّة في كلّ طريق الإصلاح بناءً على العبودية لله تعالى ومحبّته. - **يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم**: حتّى هاتان الصّفتان تُعدّان تابعتين لصفة "يحبّهم ويحبّونه"، فالباعث على بذل النفس والجهد والمال والوقت في سبيل الله، والباعث على هوان النفس على صاحبها هو محبّة الله سبحانه وتعالى. ولا تعني هذه التضحية أنّ المصلح لن يتألم من لوم اللائمين أو لا يعاني من صعوبات المُجاهدة، ولكنّ هذا الألم والعناء يهون أمام محبّته لله تعالى. - يُرى الفرق العظيم بين من يرى أنّ محبّة الله تستوجب هذه الصفات والأعمال العظيمة وبين من يراها باعثة على إغماض العينين والتأمّل والانعزال. ### 2. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ اللَّهِۚ وَالَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْۖ تَرَىٰهُمْ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبْتَغُونَ فَضْلٗا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِۚ ...[[الفتح-29|۝]]</span>﴾ - هناك تناظر بين ما قيل في الآية السابقة (أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين) وما قيل هنا (أشدّاء على الكفار رُحماء بينهم). - وكذلك تعود صفات (تراهم ركّعًا سجّدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السّجود) إلى (يحبّهم ويحبّونه)، ولكنّ الصّفة جاءت مُجملة في الآية السابقة بينما تأتي هُنا بتفاصيل تزكوية تفصيلية. - في الآية إشارة لأنّ ما نراه من هؤلاء المحبّين لله: كثرة الصلاة، والصّلاة هي أعظم شعارات المحبّين لله تعالى. كما أنّ الآية تخبرنا بما لا نراه مما في قلوبهم: (يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا). - في تتمّة الآية إشارة أيضًا لما كان في الآية السّابقة بقوله تعالى (يجاهدون في سبيل الله) وفي هذه الآية يقول تعالى: (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ) ### 3. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَـْٔجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ[[القصص-26|۝]]</span>﴾ - القوّة بعكس ما يظنّ الغالبية بأنّها تتعلق فقط بالقوّة الماديّة، بينما أول ما يدخل في مفهوم القوّة هو القوّة المعنوية. - القوّة الماديّة تكون بحسب كُلّ حال: ففي هذه الآية ليس القوّة المذكورة متعلقّة بالحرب والقتال وإنّما بالجدّ والعمل، بينما في مواضع الجهاد في سبيل الله يكون المقصود فيها القوّة البدنية، وأحيانًا يكون المقصود إطلاق معنى القوة بكل ما تحمله كما في حديث (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) فالمقصود بالمؤمن القوي في هذا الحديث كما قال [[النووي]]: "عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه، وأشدّ عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاقّ في ذات الله، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك". ### 4. قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ الْأَرْضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ[[يوسف-55|۝]]</span>﴾ - على من يتقلّد منصبًا أن يكون حفيظًا (أي أمينًا) وعليمًا (وهذا العلم يكون في المجال الذي سيعمل به الإنسان). ### 5. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُۥ بَسْطَةٗ فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِۖ ...[[البقرة-247|۝]]</span>﴾ - ذُكرت هُنا صفتيّ العلم والقوّة. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 6. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّـٰبِرِينَ[[آل عمران-146|۝]]</span>﴾ - ينبّهنا الله تعالى لأهمية معرفة واستحضار قصص الثّابتين والمصلحين قبلنا عند وقوع الحوادث؛ فهذا من أهمّ ما يعين على الصّبر والثّبات. - جاءت هذه الآية في سياق غزوة أحد، وفي سياق خبر وفاة النبي وتشتت المسلمين بسببه. - في تكرار (فما وهنوا) (وما ضعفوا) (وما استكانوا) بيان لشدّة ما ابتُلوا به، وبيان لشدّة صبرهم عليه. - من الصّفات التي تدفعنا هذه الآية للتمسك بها: الثّبات والصّمود والتّماسك وعدم الانهزام والصّبر. ### 7. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةٗ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ[[السجدة-24|۝]]</span>﴾ - تبين الآية أن الوصول للإمامة في الدّين لا يمكن أن يكون دون صبر، فمن أراد أن يكون مُصلحًا مؤثّرًا، وسائرًا على سبيل الأنبياء والمرسلين، وسببًا في تغير الواقع ونهضة المسلمين؛ فلا بُدّ له مِن مصاحبة الصّبر طيلة طريقه. - الآية تحدّثنا عن بني إسرائيل، فقد أراد الله أن يمنّ عليهم ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين لفرعون وجنوده بقوله تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةٗ وَنَجْعَلَهُمُ الْوَٰرِثِينَ[[القصص-5|۝]]</span>﴾، وأخبرهم موسى عليه السلام أن يستعينوا بالله ويصبروا ليَصِلوا للإمامة، قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُواْ بِاللَّهِ وَاصْبِرُوٓاْۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦۖ وَالْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[[|۝]]</span>﴾. ثمّ جاءت هذه الآية لتُبيّن خلاصة الطريق الذي أورثوا به الأرض بقوله: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ الْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا الَّتِي بَٰرَكْنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسْرَـٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ ...[[|۝]]</span>﴾ ### 8. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ[[آل عمران-79|۝]]</span>﴾ - يخاطب الأنبياء أتباعهم المؤمنين ليكونو ربّانيّين، فهذه الآية من أدلّ الآيات على قضيّة صناعة المُصلحين. فمرتبة الرّبانيين هي مرتبة مُتعدّية من الإنسان على غيره. - في تفسير [[الطبري]] يقول: ولكن يقولوا لهم كونوا أيّها النّاس سادة النّاس وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم، ربّانيين بتعليمكم إياهم كتاب الله بما فيه من حلال وحرام، وفرض وندب، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم، وبتلاوتكم إيّاه ودراستكموه. - الوسيلة الأساسيّة المذكورة في هذه الآية للوصول للربّانيّة هي بتعليم الكتاب ودراسته. <div style="page-break-after: always;"></div> ## الأحاديث ### 1. عن [[حذيفة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: جاءَ العاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبا نَجْرانَ إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ‎، يُرِيدانِ أنْ يُلاعِناهُ، قالَ: فقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: لا تَفْعَلْ؛ فَواللَّهِ لَئِنْ كانَ نَبِيًّا فَلاعَنَّا، لا نُفْلِحُ نَحْنُ ولا عَقِبُنا مِن بَعْدِنا، قالا: إنَّا نُعْطِيكَ ما سَأَلْتَنا، وابْعَثْ معنا رَجُلًا أمِينًا، ولا تَبْعَثْ معنا إلَّا أمِينًا، فقالَ: (لَأَبْعَثَنَّ معكُمْ رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ)، فاسْتَشْرَفَ له أصْحابُ رَسولِ اللَّهِ ﷺ‎، فقالَ: (قُمْ يا أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ)، فَلَمَّا قامَ، قالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ‎: هذا أمِينُ هذِه الأُمَّةِ - نلاحظ أن النبي ﷺ‎ كان مدركًا لصفات أصحابه؛ فكان يرشّح بعضهم لبعض المهام بناءً على ما يحمله من صفات. فينبغي على من يكون إمامًا تابعًا لمنهج الأنبياء والرسل أن تكون علاقته كذلك مع طلّابه ومحيطه، فلا يصحّ أن تكون العلاقة بينهم هي علاقة تداول للعلم فقط دون وجود سياق مشترك للعمل في دين الله تعالى، ودون النظر إلى سماتهم ومعرفة ما يتميز به كُلّ منهم. - الأمانة من أهم ما ينبغي أن يكون من صفات المصلحين، وهذه الصفة تُرجّح بعض المصلحين على غيرهم. ### 2. عن [[سهل بن سعد]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> أن رسول الله ﷺ‎ قال يوم خيبر: (لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ)، قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ: أيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟ فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ ﷺ‎ كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ: (أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ؟) فقِيلَ: هو -يا رَسولَ اللَّهِ- يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ: (فأرْسَلُوا إلَيْهِ). فَأُتِيَ به فَبَصَقَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ‎ في عَيْنَيْهِ ودَعَا له، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقالَ عَلِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا؟ فَقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ؛ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ - يبين هذا الحديث أن من أبرز صفات المصلحين محبتهم لله ورسوله. - كلّ الصحابة يحبّون الله ورسوله ويحبّهم الله ورسوله، لكن اختصاص علي <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> بهذه الصفة في هذا الحديث هو لعُلوّ درجة هذه الصفة فيه حتى صارت صفته الخاصّة. - نرى في هذا الحديث أن السّياق قتال وفتح، ومع ذلك فإن الصّفة التي اختارها الرسول ﷺ‎ لحامل الراية أن يكون محبًّا لله ورسوله (وهي صفة قلبية). فمن الخطأ الكبير اختيار الأشخاص بحسب مهاراتهم فقط دون احتساب تزكيتهم وإيمانهم. - أخبر الرسول ﷺ‎ أصحابه عن وقوع الفتح في بداية الحديث، وكان اليهود المُعادين هُم من المسرفين في عداء النبي ﷺ‎، وكانوا ممن اتفقوا مع الكفار ضد المسلمين وممن يحرض على المسلمين، ولكننا نرى في هذا الحديث إحدى معالم ربّانية هذا الدّين وأنّه دين الله تعالى لوصيّة النبي ﷺ‎ لحامل الرّاية: (انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ). ولو أنّهم أسلموا لعادت الجيوش للمدينة ولبقيت خيبر بخيراتها! وكذلك حبّب النبي ﷺ‎ في قلب علي <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> أن يستجيبوا لدعوته للإسلام لكي لا تكون مهمّة تكليفية يؤديها بل ليسعى جهده لإنجاحها فقال: (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ). وبهذه المعاني ينبغي أن يفهم المُسلم أنّ **المقصد الأعظم في الإسلام هو تحقيق العبودية لله تعالى**. ### 3. عن [[معاوية]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: (لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي قائِمَةً بأَمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، أوْ خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ ظاهِرُونَ علَى النَّاسِ) - الصفة المركزية في هذا الحديث: الثبات والاستمرار والتّمسك بما جاء في الوحي رغم خذلان الآخرين ومخالفتهم لهم. ### 4. عن [[جابر بن عبدالله]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">L</span> قال: سمعت النبي ﷺ‎ يقول: (لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي يُقاتِلُونَ علَى الحَقِّ ظاهِرِينَ إلى يَومِ القِيامَةِ)، قالَ: (فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فيَقولُ أمِيرُهُمْ: تَعالَ صَلِّ لَنا، فيَقولُ: لا، إنَّ بَعْضَكُمْ علَى بَعْضٍ أُمَراءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هذِه الأُمَّةَ) - يزيد هذا الحديث عن الحديث السابق صفة المدافعة للباطل والقتال في سبيل الله. - في هذا الحديث بِشارة بأن هذه الأمّة لن يُقضى عليها، وهذا لا يعني أنّه لن تكون هناك فترات ضعف ونكبات ومصائب، لكن المعنى برغم كُلّ ذلك ستبقى طائفة من الأمّة على الحقّ. - مرّت على المسلمين أزمنة شديدة الصّعوبة في السابق (كما في القرن الرّابع الهجري عند انتشار الفرق الباطنيّة والرّافضة والحملات الصّليبيّة)، ولكنّ الله يصطفي من عباده ممن يكونون ورثة للأنبياء فيأذن الله بعودة عزة المسلمين وهيبتهم على أيديهم، وهذه سنّة الله تعالى. ### 5. عن [[أسامة]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> أن رسول الله ﷺ‎ قال: (يُجَاءُ بالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ فيُلْقَى في النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُهُ في النَّارِ، فَيَدُورُ كما يَدُورُ الحِمَارُ برَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أهْلُ النَّارِ عليه فيَقولونَ: أيْ فُلَانُ، ما شَأْنُكَ؟ أليسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بالمَعروفِ وتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟! قالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بالمَعروفِ ولَا آتِيهِ، وأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وآتِيهِ) - كما أنّ من أهم مهمّات المُصلحين الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر، فإنّ هذه المهمة يجب أن تترافق مع العمل بالعلم، وأن لا تكون الدّعوة إلى الله مجرّد وظيفة أو عادة للمُصلح، بل يجب استحضار النيّة بشكل دائم والعمل بالعلم. - من أهم ما يبعد الإنسان عن ما حرّم الله تعالى أن يستحضر الآخرة، وأن يستحضر عذاب الله تعالى لمن يخالف أمره.