# باب في مركزية اتباع هدي الأنبياء وأهميته للمصلح في عبادته ودعوته وصبره
## مقدمة
من أهم ما يجب على من يرغب بالسَّير في طريق الإصلاح هو الاستهداء بهدي الأنبياء واتباع طريقهم ومنهجهم.
وفي الأدلّة الآتية سيتم بيان أهمية اتباع هدي الأنبياء في **العبادات** و**الدعوة** و**الصّبر**.
## الآيات
### 1. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٞ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ[[هود-120|]]</span>﴾
- في سورة هود ورد ذكرت قصص نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وجاءت الوصايا للنبي ﷺ وأمّته، ثم جاءت هذه الآية لتبين أن هذه القصص نقصّها عليك يا محمد لأنك رسول مثل هؤلاء الرسل، وتتعرّض لمثل ما تعرضوا له، ففي الاقتداء بهم وبمعرفة أخبارهم ما يثبّت فؤادك.
- هذا الكلام ليس للنبي ﷺ وحده، بل هو أيضًا لمن يسير من أمته على هدي الأنبياء ويحتاج ما يُثبّت فؤاده به.
- خلاصة: من أهم ما يثبت به الفؤاد: قصص الأنبياء ومعرفة أحوالهم واتباع مواقفهم من هذه الابتلاءات.
### 2. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَٰسِقُونَ[[الأحقاف-35|]]</span>﴾
- في هذه الآية خطاب للنبي ﷺ ولمن بعده ممن يسيرون على طريق الرّسل أن يصبروا كما صبر أولو العزم من الرّسل.
### 3. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى اللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ اتَّبَعَنِيۖ وَسُبْحَٰنَ اللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[[يوسف-108|]]</span>﴾
- في هذه الآية بيان لأن سبيل النبي ﷺ هو الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، وتبيّن أن أتباع النبي ﷺ يتبعونه في هذا السبيل.
- من المهم أن يسير المصلح على بصيرة في طريقه ودعوته. البصيرة: الحجة، والوضوح، واليقين. فلا يستطيع المصلح الاستمرار على طريقه إن لم يكن على يقين من أنه على الطريق الصحيح، ولهذا كان الله تعالى يخاطب أنبياءه بما يثبت به يقينهم وإيمانهم، مثل قوله تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ[[الأنعام-75|]]</span>﴾، وقوله لموسى عليه السلام: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَٰتِنَا الْكُبْرَى[[طه-23|]]</span>﴾، وقوله لنبينا محمد ﷺ بعد المعراج: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰٓ[[النجم-18|]]</span>﴾.
- **يحتاج المصلح لتحقيق البصيرة للعلم والبناء والبرامج؛ لتساعده على اليقين من صحة ما يدعو إليه.**
### 4. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ اقْتَدِهْۗ قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًاۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَٰلَمِينَ[[الأنعام-90|]]</span>﴾
- ذَكَرَ الله تعالى هذه الآية بعد ذكره مجموعة من الأنبياء، ثم قال للنبي ﷺ (ولأمّته) أن أولئك الذين هدى الله، وأمره بالاهتداء بهداهم.
- من المهم استشعار أن الله هو من هدى الأنبياء.
- لتحقيق الاهتداء بهدي الأنبياء فلا بُدّ من تعلّم منهجهم وطريقهم.
### 5. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قُلْ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[[الأنعام-161|]]</span>﴾
- كان النبي ﷺ يستحضر الأنبياء في دعوته وفي طريقه، فأمره الله تعالى أن يقول بذلك في هذه الآية.
## الأحاديث
### 1. عن [[عبد الله بن مسعود]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ، وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ ويقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ
- هذا الحديث والحديث التالي يبينان كيف يستحضر النبي ﷺ هدي الأنبياء والمرسلين، ويتصبّر بهديهم.
- في معركة أُحُد وعندما انقلبت الكفة على المؤمنين، وحصل ما حصل من ابتلاءات للنبي ﷺ وأصحابه، في هذه الأثناء يستحضر النبي ﷺ ما حصل لمن سبقوه من الأنبياء. فعندما كان النبي ﷺ يمسح الدم عن وجهه كان يحاكي قصة أحد الأنبياء الذين أدماهم قومهم.
- من أراد أن يكون له دور إصلاحيّ في هذه الأمّة فعليه استحضار ما مرّ به النبي ﷺ وبقية الأنبياء؛ لكي يستطيع الاهتداء بهديهم، واستمداد الصّبر والثبات عندما يتعرض لمواقف فيها شدّة وابتلاءات.
- لا يستطيع كُلّ من يحفظ هذا الكلام حفظًا نظريًا أن يستحضره في وقت الشدّة والتكليف. فالمرء يحتاج لعوامل عديدة ليتمكن من استحضار هذا الهدي في تلك المواقف، وأحد أهم هذه العوامل هو قوّة اليقين بكمال هدي الأنبياء والمرسلين، وكمال التوكّل على الله في تحقيق الاهتداء.
<div style="page-break-after: always;"></div>
### 2. عن [[عبد الله بن مسعود]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: قَسَمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَسْمًا، فَقالَ رَجُلٌ: إنَّ هذِه لَقِسْمَةٌ ما أُرِيدَ بهَا وجْهُ اللَّهِ، فأخْبَرْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَغَضِبَ، حتَّى رَأَيْتُ الغَضَبَ في وجْهِهِ، وقالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لقَدْ أُوذِيَ بأَكْثَرَ مِن هذا فَصَبَرَ
- في هذا الحديث نرى استحضار النبي ﷺ في وقت الشدّة ما كان عليه إخوانه من الأنبياء من قبله؛ فصبر كما صبروا.
- من الابتلاءات التي ابتُلي فيها النبي ﷺ: الأذى من المشركين، والأذى من المنافقين، والأذى من ضعاف الإيمان (كما في هذا الحديث)، والأذى من أخطاء بعض المؤمنين حقّا (كمن تولّى ومن خالف أوامره يوم أحد). وكذلك ابتلي ابتلاءات أخرى كالمرض وغيره (للاستزادة: مشاهدة حلقة [[الهم والحزن]]، من سلسلة [[سوية المؤمن]])
- نلاحظ أن النبي ﷺ قد ابتُلي في هذا الحديث بأذى مِمّن هو في صفّه (من المؤمنين)؛ وكانت النتيجة صبر النبي ﷺ على الأذى باستحضاره لصبر موسى عليه السّلام.
### 3. عن [[عبدالله بن عمرو]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">L</span> قال: قالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (أَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كانَ يَصُومُ يَوْمًا ويُفْطِرُ يَوْمًا، وأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ)
- هذا الحديث يبين أهميّة هدي الأنبياء في عبادتهم.
- يجب تحرّي هدي الأنبياء في العبادات لاستخلاص أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، فمثلاً من يصوم كُلّ أيامه يتعب أكثر ممن يصوم كصيام داود عليه السلام، ولكن أجره لن يكون أكثر؛ لأن صيام داود هو أحبّ الصيام إلى الله تعالى، وكذلك في صلاة الليل.
- قصة هذا الحديث هو أن عبدالله بن عمرو <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">L</span> كان شابّا متحمّسًا ينطلق في العبادة انطلاقًا، فكان يختم القرآن كاملاً كُلّ ليلة ويصوم كُلّ يوم، فعندما سمع النبي ﷺ بذلك؛ أخبره بما قاله في هذا الحديث ليبيّن له أنّ على المرء اختيار عمل يستطيع المداومة عليه في أوقات هرمه، كما يداوم عليه في وقت شبابه وقوّته (وهذا ما يحبه الله تعالى). واستخدم النبي ﷺ لتوجيه عبدالله بن عمرو نموذجًا من نبيّ الله داود عليه السلام.
- نحن في زمن فيه جفاف إيمانيّ، فإذا نزل المطر (أي المعاني الإيمانية والتزكوية والعلوم المتعلقة بالوحي والشريعة)؛ سينعكس هذا على المستوى الإيماني، وعندها يجب التركيز على ضبط الاعتدال في الاستقامة.
- من عجيب كمال الإسلام هو أنّ النبي ﷺ كان يوجّه أصحابه منذ البداية إلى الاستقامة المعتدلة على هذا الدّين.
- مما يعزز قيمة هدي الأنبياء لدى المؤمن: العناية بكتاب الله وسُنّة رسوله ﷺ.