# باب في مفاتيح الهداية والبصيرة ودوام احتياج المسلم إلى الهداية الربّانية ## مقدمة من أعظم الأمور الفارقة بين ذوي الدرجات العليا من المسلمين ومن دونهم هو إدراكهم لمركزية مطلب الهداية في الإسلام؛ فمن يدرك أن الهداية هي من أعظم ما يجب أن يتطلبه الإنسان في كل يوم؛ تُفتح له أبواب من الخير الكبير مما لا يُفتح لغيره. ومن المؤشرات على أهميّة هذا الأمر هو أنّه من الواجب على المسلمين الدّعاء بالهداية في كُلّ يوم بعدد ركعات الصّلاة (في الفاتحة). وهذا الباب يبيّن ما يأتي بعد إدراك المسلم أهميّة الهداية واستحضارها اليوميّ؛ فيبيّن له مواضع الهداية ومفاتحيها وكيفية الوصول إليها. وعلى المسلم العلم بأنّ الهداية هي هبة من الله تعالى وليست أمرًا يُحصّل تحصيلاً؛ فعلى المرء القيام بالأسباب وأن يطلب الهداية من الله سبحانه وتعالى. ## الآيات ### 1. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ[[آل عمران-101|۝]]</span>﴾ - هذه الآية تتحدث عن الاعتصام بالله تعالى، وهو من أعظم مفاتيح الهداية. كما في قول الله تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُورٗا مُّبِينٗا [[النساء-174|۝]] فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٖ مِّنْهُ وَفَضْلٖ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَٰطٗا مُّسْتَقِيمٗا[[النساء-175|۝]]</span>﴾ - [[الاعتصام]] يأتي معناه بحسب المُتعلَّق به، فعندما يأتي الكلام عن الاعتصام بحبل الله تعالى فيكون المقصود التمسّك بكتاب الله تعالى وشريعته، وعندما يأتي عن الاعتصام بالله تعالى فهو الاحتماء به والالتجاء له والتوكّل عليه وتفويض الأمر له. - لا يكون الاعتصام إلّا لمن وقع عنده تمام التوحيد. ### 2. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيٓ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ[[الرعد-27|۝]]</span>﴾ ### 3. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... اللَّهُ يَجْتَبِيٓ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيٓ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ[[الشورى-13|۝]]</span>﴾ - في هاتين الآيتين يبيّن الله تعالى أنّ من فضل الإنابة هو أنّها من أسباب الهداية. - [[الإنابة]]: هي صفة قلبية تعني دوام الرجوع إلى الله تعالى والإقبال إليه، أي أنّ العبد كُلّما قصّر في ذكر الله وعبادته أو وقع في الذنوب يعود إلى الله تعالى. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 4. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَالَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[[العنكبوت-69|۝]]</span>﴾ - تبيّن الآية الكريمة أنّ من أسباب الهداية [[المجاهدة]] في طاعة الله تعالى، وتشمل المجهادة مجاهدة النفس، والشيطان، والعوائق المحيطة كالفتن، وغيرها. ومعنى المجاهدة يقتضي أن يجد الإنسان عُسرًا وشدّة أثناء الدّفع. ويُستعمل معنى المجاهدة في مواضع القتال الذي فيه قتل وإزهاق الأنفس، فهذا المثال يُشير إلى صعوبة ما يُقاسيه المرء في هذه المجاهدة في كل أبوابها الأخرى. - من المهم أن تكون المجاهدة في الله ولله لتقع الهداية. - تكون المجاهدة في البداية صعبة، لكن عندما تنزل الهداية على قلب المسلم تسهل المجاهدة عليه. ### 5. قال تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى اللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ اتَّبَعَنِيۖ ...[[يوسف-108|۝]]</span>﴾ - هذه الآية تُشير إلى أنّ سبيل النبي ﷺ‎ في الدّعوة إلى الله فيه هداية لمن يتّبعه، ومما يدلّ على أنّ اتّباع سبيل النبي ﷺ‎ يهدي قوله تعالى: ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">... فَـَٔامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[[الأعراف-158|۝]]</span>﴾. - في اتّباع النبي ﷺ‎ على بصيرة عِصمة من الضّلال. - [[البصيرة]] هي أمر تُبذل له الأسباب (كاتّباع النبي ﷺ‎ وطلب العلم)، ولكنّها بنفس الوقت هي منحة من الله تعالى؛ فلا يُحصِّل تمامَها إلّا مَن وفقه الله لذلك. ## الأحاديث ### 1. عن [[علي]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> قال: قال لي رسول الله ﷺ‎: (قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ بالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ) - عندما نرى أنّ النّبي ﷺ‎ يوصي أحد كبار الصّالحين من هذه الأمّة أن يدعي بهذا الدّعاء؛ فهذا يبيّن أهمّية مطلب الهداية. - يبيّن الحديث أنّ الدعاء بالهداية هو من أهمّ أسباب تحصيلها. - كما يبيّن هذا الحديث أهميّة استحضار المعاني عند الدّعاء وحضور القلب والعقل. ### 2. عن [[عبد الله بن مسعود]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> عن النبي ﷺ‎ أنه كان يقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى) - يبيّن هذا الحديث أنّ النبي ﷺ لم يُعلّم أصحابه الدّعاء بالهداية فحسب، بل‎ كان النبي ﷺ‎ يلتزم الدّعاء بالهداية بنفسه، مع أنّه هو من يوحى إليه وهو الهادي إلى الرّشاد. - أدعية الأنبياء هي باب عظيم من أبواب [[الإيمان بالله|العلم بالله]] تعالى، وباب عظيم من أبواب الهداية. <div style="page-break-after: always;"></div> ### 3. عن [[أبي ذر]] <span style="font-family: 'KFGQPC Arabic Symbols 01'; ">I</span> عَنِ النَّبيِّ ﷺ‎ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: (يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ) - يدلّ هذا الحديث على أنّ الدعاء هو من الأسباب المؤدّية للهداية، كما يبيّن بقوله: (كُلُّكُمْ ضَالٌّ) مقدار الافتقار والحاجة للهداية. ### 4. عن [[أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف]] قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ: بأَيِّ شَيءٍ كانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قالَتْ: كانَ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بيْنَ عِبَادِكَ فِيما كَانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِما اخْتُلِفَ فيه مِنَ الحَقِّ بإذْنِكَ؛ إنَّكَ تَهْدِي مَن تَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - يؤكّد التزام النبي ﷺ‎ بالدّعاء بالهداية وتعدد صيغ الدّعاء به على أهميّة الهداية، وأنّها مطلب يجب على المسلم المداومة عليه مهما كان قدره ومهما بلغت رُتبته. - الهداية ليست أمرًا محدودًا بمعنى الهداية من الكفر إلى الإيمان، ولا الهداية من الضَّلال والانحراف للاستقامة؛ بل الهداية هي الخير كُلّه، ومما تشمله الهداية: الثّبات على الخير، والإرشاد في أمور العلم، والتوفيق لأفضل طرق العبادة، والهداية في الأمور الملتبسات والمختلفات، والهداية لأفضل الدرجات والمراتب، والهداية في الأمور والوسائل الإصلاحيّة، وتشمل الأخلاق والسلوك كقول النبي ﷺ‎: (اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ، لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ). - معرفة متعلّقات الهداية الواسعة تزيد من أهميّة الهداية لدى المسلم.