# الانتصار للقرآن
توالت منذ نزول القرآن حملات الطّعن والتّشكيك فيه واختلفت أدواتها، وواجهها علماء الأمّة عبر العصور بالرّدود والنقد، حتّى أسس العلماء المعاصرون علمًا مستقلّاً في هذا الباب تحت اسم علم الانتصار للقرآن.
> [!cite] مفهوم الانتصار للقرآن الكريم
> هو العلم الذي يبحث في معرفة الشبهات المثارة حول القرآن الكريم والرّد عليها بالحُجّة الصّحيحة. ويختصّ هذا العلم بما يلي:
> 1. معرفة الشّبهات المثارة حول القرآن وأصولها ومحصّلتها.
> 2. معرفة طريقة الرّد عليها بالحُجّة الصّحيحة باتّباع منهج النّقد العلميّ الموضوعيّ وآدابه.
## نشأة الشّبهات حول القرآن والانتصار له
منذ نزول القرآن بدأت قريش بإثارة الشّبهات حوله، فادّعوا أنه مُختَلَق وليس من عند الله، وبيّن الله تعالى هذه الدّعاوى في كتابه بقوله ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ إِفْكٌ افْتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدْ جَآءُو ظُلْمٗا وَزُورٗا[[الفرقان-4|]]وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةٗ وَأَصِيلٗا[[الفرقان-5|]]</span>﴾، فجاء الرّد عليهم بالتّحدّي بأن يأتو بسورة من مثله إن كانوا صادقين.
وبعد انتشار الإسلام ودخول علم الكلام والفلسفة إلى الأوساط المسلمة، ظهر بعض من ادّعى الإسلام ممّن أرادوا الطّعن فيه، فبدأ هؤولاء بالتّشكيك في القرآن وادّعاء تحريفه وتغييره، فواجه علماء المسلمين في تلك المرحلة حججهم بالرّد والنقض. ومن أهم المصنّفات التي كتبت في الردّ على هؤلاء [[تأويل مشكل القرآن]] ل[[ابن قتيبة]]، والانتصار للقرآن ل[[أبي بكر الباقلاني]].
وفي مراحل ضعف المسلمين ظهرت فئة المستشرقين، فبدؤوا بحملات للتشكيك بالدّين والقرآن بدعوى النّقد العلمي، فواجههم العلماء بالعديد من الكتب التي تردّ دعاويهم وتنقض تشكيكاتهم، ومنها:
- [[النبأ العظيم]] ل[[محمد عبدالله دراز]].
- [[مناهل العرفان في علوم القرآن]] ل[[محمد عبد العظيم الزرقاني]].
- [[دفاع عن القرآن ضد منتقديه]] ل[[عبد الرحمن بدوي]].
- [[شبهات حول القرآن]] ل[[محمد عمارة]].
ومؤخّرًا أتى بعض العلمانيّين لإعادة تطبيق المنهجيّات الاستشراقيّة على القرآن وإخضاعه لها، وهذا ما عُرف بالقراءات المعاصرة للنصّ الشّرعي. فانبرى العديد من الكُتّاب والعلماء للردّ على شبههم ودفعها، ومما كُتب في ذلك:
- [[العلمانيون والقرآن الكريم: تاريخية النص]] ل[[أحمد إدريس الطعان]].
- [[القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في ضوء ضوابط التفسير]] ل[[محمد كالو]].
## أبرز موضوعات الشّبهات المثارة للطّعن في القرآن الكريم
1. **الشّبهات حول مصدر القرآن الكريم**: ويهدف مثيروا هذه الشّبهات إلى التّشكيك في نسبة القرآن الكريم إلى الله تعالى، وادّعاء أنّه من تأليف النّبي ﷺ أو أنّه مأخوذ من غيره. ولمّا كانت هذه من أوائل الشّبهات التي أتى بها كفّار قريش، فقد ردّ الله تعالى في مواضع عديدة عليها كما تقدّم في باب [[إعجاز القرآن]]. ولكنّ المستشرقين عادوا لإبراز هذه الشّبهات بصورة مختلفة بادّعاء كون القرآن مقتبسًا من كتب سبقته، وبُنيت على ذلك شبهة أخرى وهي شبهة عدم قدسيّة القرآن وإمكان نقده ومخالفته، وهي ما ادّعاه من تبع المستشرقين من العلمانيين.
2. **الشّبهات حول نقل القرآن**: يدّعي مثيروا هذه الشّبهات أن القرآن ليس محفوظًا، وأنّه قد وقع فيه التّغيير والتّحريف والزّيادة والنّقص. وهذه من الدّعاوى القديمة التّي أثارتها الفرق المنحرفة ممّن يتّهمون الصّحابة بعدم نقل القرآن بشكل صحيح. وتشمل هذه الدّعاوى التّشكيك بالنّواحي التّاريخيّة للقرآن؛ كالأحرف السّبعة، والمكّي والمدنيّ، وجمع القرآن، والرّسم العثماني، والقراءات وتواترها. وأعاد المستشرقون ترديد هذه الشّبهات بدعوى النّقد الموضوعي.
3. **اتّهام القرآن بالتّناقض في آياته**: يدّعي مثيروا هذه الشّبهات وجود تناقض بين معاني القرآن وآياته، وبدأ هؤلاء منذ عصر الصّحابة بطرح أسئلة في متشابه القرآن، ومع تقدّم الزّمن ظهر [[علم مُشكل القرآن]] لتوضيح ما تشابه ولتناول ما طُرح في هذا المجال.
4. **اتّهام القرآن بمعارضة الحقائق التّاريخية والكونيّة**: ظهرت هذه الشُّبه منذ عصر النّبوّة، ومثالها سؤال أهل نجران عن قوله تعالى ﴿<span style="font-family: 'KFGQPC HAFS Uthmanic Script'">يَـٰٓأُخْتَ هَٰرُونَ...[[مريم-28|]]</span>﴾ بقولهم أن موسى كان قبل عيسى عليهما السّلام بزمن، فأجاب ﷺ بقوله (إنّهم كانوا يُسَمُّون بأنبيائهم والصّالحين قبلهم). واستمرّ هذا النّوع من الشّبهات في على ألسنة المستشرقين ومن تبعهم من العلمانيين؛ فادّعوا أنّ قصص القرآن أساطير غير حقيقيّة. ومع زيادة المكتشفات العلميّة في عصرنا الحاليّ جاءَ من يدّعي تعارض القرآن مع الحقائق الكونيّة.